كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

ابن نهيك فقطع حبائل سيفه، فقال: استبقنى لعدوك يا أمير المؤمنين، فقال: لا أبقانى الله إذن، وأى عدو أعدى لى منك؟! وأخذته سيوف الحرس حتى قتلوه، وهو ينادى العفو العفو، فقال المنصور يا ابن اللخناء والسيوف قد اعتورتك!! وأنشد المنصور «1» :
اشرب بكأس كنت تسقى بها ... أمرّ فى فيك من العلقم
زعمت أن الدين لا يقتضى ... كذبت والله أبا مجرم
قال: وكان أبو مسلم قد قتل ستمائة ألف صبرا، قال: ولما قتل قال لأصحابه اجتمعوا، فاجتمعوا فنثرت عليهم بدرة، فلما أكبوا ليلتقطوها طرح عليهم رأس أبى مسلم، فلما رأوه تخاذلوا وتفرقوا، قال: ثم خطب المنصور بعد مقتل أبى مسلم فقال:
أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا فى ظلمة الباطل بعد سعيكم فى ضياء الحق، إن أبا مسلم أحسن مبتدأ وأساء معقبا، وأخذ من الناس «2» أكثر مما أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبث سريرته وفساد نيّته مالو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا فى قتله، وعنّفنا فى إمهاله «3» ، وما زال ينقض بيعته ويخفر ذمته حتى أحلّ لنا عقوبته، وأباحنا دمه فحكمنا فيه حكمه لنا فى غيره، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه، وما أحسن ما قال النابغة الذبيانى:

الصفحة 75