كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 22)

فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ, صَاحِبَ صَنْعَاءَ. وَالآخَرُ مُسَيلِمَةَ, صَاحِبَ الْيَمَامَةِ"
ــ
شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا عنه فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام اهـ فتح الباري [١٢/ ٤٢١] (فكان أحدهما) أي أحد الكذابين الأسود (العنسي) بسكون النون نسبة إلى بني عنس قبيلة مشهورة واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضًا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل ذو الحمار بالحاء المهملة وسبب هذا اللقب على ما قاله ابن سحاق أنه لقيه حمار فعثر فسقط لوجهه فقال سجد لي الحمار فارتد عن الإسلام وادعى النبوة ومخرق على الجهال فاتبعوه وغلب على صنعاء اليمن ولذلك قيل له (صاحب صنعاء) وأخرج منها المهاجر بن أبي أمية المخزومي وكان عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وانتشر أمره وغلب على امرأة مسلمة من الأساورة فتزوجها فدست إلى قوم من الأساورة أني قد صنعت سربًا يوصل منه إلى مرقد الأسود فدلتهم على ذلك فدخل منه قوم منهم فيروز الديلمي وقيس بن مكشوح فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قاله ابن إسحاق، وقال وثيمة بن موسى بن الفرات المعروف بالوشاء ومنهم من يقول كان ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. [قلت] وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي أي بعد وفاتي اهـ من المفهم (والآخر) من الكذابين (مسيلمة) الكذاب (صاحب اليمامة).
قال القرطبي: ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما وكانا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما هذان الكذابان وتبهرجا لهما بترهاتهما وزخرفا أقوالهما فانخدع الفريقان بتلك البهرجة فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه لأنه كان يعتضد بهما والسواران فيهما هما مسيلمة وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه.
وأما مسيلمة فإنه بعد ما جاء المدينة رجع إلى اليمامة على حالته تلك واستقر عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم أمر مسيلمة وأطبق أهل اليمامة عليه وارتدوا عن الإسلام وانضاف إليهم بشر كثير من أهل الردة وقويت شوكتهم فكاتبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتبًا كثيرة يعظهم ويذكرهم ويحذرهم وينذرهم إلى أن بعث

الصفحة 465