كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي
مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ:
إذا قلنا إن هذا الكتاب قد أدى رسالة لم نكن مُغَالِينَ وَلاَ مُتَبَجِّحِين (¬1). يَسُرُّنَا أنْ يكون هذا الكتاب " التبشير والاستعمار في البلاد العربية " قد شهد خروج الاستعمار من جميع البلاد العربية، وإنْ كان الاستعمار الذي خرج هو الاستعمار الرسمي في أكثر الأحيان. ولقد كان من المنتظر أنْ يتوقف هذا الكتاب عن الصدور في طبعات جديدة لأن الغاية الأولى التي رمينا إليها، وهي فتح عيون المسؤولين سياسيًا وثقافيًا على أخطار التبشير، قَدْ تَحَقَّقَتْ في جانبها الرسمي أو السياسي، غير أن البلاد العربية لا تزال، مع الأسف، ترزح في رواسب الاستعمار وتعاني آلام التبشير. من أجل ذلك لاَ بُدَّ من صدور هذه الطبعة الثالثة حتى يظل المسلمون الذين خرجت بلادهم من الاستعمار الرسمي فاتحين أعينهم على الاستعمار الفعلي الذِي يَتَبَدَّى في التعليم والتطبيب والإذاعات والصحف وَالمَجَلاَّتِ وفي جانب من الأدب الذي يُسَمُّونَهُ ظلمًا أدب الشباب، وهو في الحقيقة أَدَبٌ مُتَحَلِّلٌ من القيم الروحية وَالخُلُقِيَّةِ والاجتماعية، وهو يرمي إلى أنْ يفكك عُرَى الأُمَّةِ العَرَبِيَّةَ حَتَّى يُمَكِّنَ أَغْلاَلَ الاستعمار من أيديها وأرجلها وأعناقها.
إن المعركة في هذا الكتاب لم تكن، منذ صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى 1953، معركة خارجية فقط؛ لقد كانت في بعض جوانبها معركة داخلية أيضًا. فَمُبرِّرَاتُ هذه الطبعة إذن لا تزال كثيرة: رواسب الاستعمار، أشكال الاستعمار الجديدة بعد انقراض الاستعمار الرسمي في البلاد العربية، تبدل وسائل التبشير تَوَصُّلاً إلى تثبيت نتائج الاستعمار القديم ثم تنبيه الغافلين من شُبَّانِ العَرَبِ إلى المزالق التي تُلْقَى في طريقهم.
في أثناء وجود الطبعة الثانية في الأسواق العربية نقل هذا الكتاب إلى اللغة الروسية وظهرت منه طبعتان في تلك اللغة، فاستطاع هذا الكتاب أنْ يُؤَدِّي رسالة جديدة وراء النطاق الذي كنا قد رسمناه له من قبل.
إن جميع ما خبرناه في العشر السنوات التي شهدت تنقل هذا الكتاب بين الأيدي يدل بكل جلاء على أنَّ التَّبْشِيرَ وَسِيلَةٌ إِلَى الاِسْتِعْمَارِ، وَأَنَّ المُبَشِّرِينَ ليسوا - سواءً أعلموا أم
¬__________
(¬1) راجع الطبعة الثانية، ص 9 (رسالة هذا الكتاب).
الصفحة 1
285