كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

ولكن لم يفهمها:
«في الفقه الإسلامي، إن المسلم إذا كان سائرًا (على جمل أو في واسطة أخرى للنقل وأراد الصلاة ثم اتجه إلى القبلة، فإنه يلزم اتجاهه هذا مَهْمَا تبدل اتجاه الواسطة التي يستعملها».
إن الذين يأتون إلى الشرق ليعلمونا يجب أن يكونوا هم أنفسهم أكثر علمًا منا، أو يجب ألا يتعرضوا لما لا يعرفون على الأقل! وبعد، فأي وزن لحادثة يذكرها المؤرخ أو العالم الاجتماعي إذا كان لا يعرف أين وجدها ولا متى سمعها. ولكن المستر (بنروز) اختلق القصة ثم جعل يزعم، بالاستناد إليها، أن المسلمين متأخرون جهلة أغبياء! على أن المستر (بنروز) لَيْسَ مُلِمًّا لأنه صرح في كتابه بأن الغاية الأولى من تأسيس الجامعة لم يكن تعليم العلم وبث الأخلاق الحميدة، بل نشر المذهب البروتستانتي. ولكن نسي أن الجامعة قد أعلنت منذ مدة طويلة أنها غيرت سياستها هذه!

وهنا نحب أن نشير إلى أن القائمين على أمر الجامعة الأمريكية في بيروت لم يكتفوا، من أول أمرهم، بأن يكون رئيس هذه المؤسسة مبشرًا، بل أصروا على أن يكون جميع المدرسين فيها مبشرين. إن الدكتور (جورج بوست) جاء إلى الشرق الأدنى مبشرًا كزملائه ثم ذهب إلى طرابلس عام 1863 كطبيب مبشر (¬1). وكذلك كان (كورنيليوس فان ديك)، وابنه (هنري فان ديك)، و (يوحنا) و (رتبات) كلهم أطباء مبشرين (¬2).

وكان على هؤلاء المدرسين أن يوقعوا يمينًا يقسمون فيها بأن يوجهوا جميع أعمالهم نحو هدف واحد، هو التبشير، ولم يقبل منهم أن يكونوا نصارى بروتستانتيين فقط، بل وجب أن يكونوا مبشرين أيضًا (¬3). ومع الأيام ألغت الجامعة توقيع هذه اليمين، ولكنها لم تلغ مؤداها.

وكانت الجامعة تحرص على أن يظهر جميع أساتذتها بمظهر المبشرين ثم تحملهم على أن يحضروا المؤتمرات التبشيرية. ولعل المرحوم الأستاذ (بولص الخولي) لَمْ يُعْنَ بالتبشير - مما نعرفه نحن - ولكنه حُمِلَ بِلاَ رَيْبٍ هو والدكتور (فيليب حتي) على أن يحضرا مؤتمر استانبول مع الدكتور (هوارد بلس) عام 1911، تكثيرًا للأسماء الوطنية.

ومع أن الجامعة الأمريكية لم تعلن سياسيتها التبشيرية في مطلع حياتها خوفًا من أن يغلقها العثمانيون، فإنها لم تأل جهدًا في التبشير في كل درس. حتى في الدروس التي لا
¬__________
(¬1) Penrose 39
(¬2) ibid. 8, 36, 37 etc
(¬3) ibid. 83 f

الصفحة 104