كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

ويرى الإنجليز أن فلسطين لم تكن مهمة لهم في ذاتها فقط، بل كانت عندهم وسيلة ضرورية للدفاع عن الإمبراطورية. «لَقَدْ كَانَتْ أَيْضًا الصِّلَّةُ الجُغْرَافِيَّةُ بَيْنَ الشُّرْقِ وَالغَرْبِ وَرَأَّسُ الجِسْرِ بَيْنَ ثَلاَثِ قَارَّاتٍ، وَعُقْدَةُ الدِّفاعِ العَسْكَرِيِّ عَنْ الإِمْبْرَاطُورِيَّةِ، وَالمِنْطَقَةِ الضَّرُورِيَّةِ لِلْدِّفاعِ عَنْ طَرِيقِ السُّوِيسْ وَعَنْ الطَّرِيقِ إِلَى الهِنْدِ وَعَنْ آبَارِ النَّفْطِ فِي المَوْصِلِ» (¬1).
وتعددت العوامل في السياسة الإنجليزية في شأن فلسطين، ولكن كان بعضها ستارًا، فقد ألفت (برباره توخمان) (¬2) - وهي يهودية من الولايات المتحدة - كتابًا سمته " التوراة والسيف " أو " إنجلترا وفلسطين منذ العصر البرونزي إلى بلفور " (¬3) ذكرت في مقدمته غايتها من تأليفه فقالت (¬4): «هَذَا الكِتَابُ مُحَاوَلَةٌ لِتَتَبُّعِ الأَهْدَافِ المُزْدَوَجَةِ فِي تَطَوُّرِهَا مُنْذُ البِدَايَةِ: الهَدَفُ الثَّقَافِيُّ مَعَ الهَدَفِ الاِسْتِعْمَارِيِّ، وَالهَدَفُ الأَخْلاَقِيُّ مَعَ الهَدَفِ المَادِّيِّ. وَبِكَلِمَةٍ وَاحِدَةً: أُرِيدُ أَنْ أَتَتَبَّعَ فِيهِ خُطُوَاتِ التَّوْرَاةِ وَالسَّيْفِ إِلَى أَنْ تَنْتَهِي بِفِلَسْطِينَ إِلَى الاِنْتِدابِ».

ولم يكن في محاولة الاستيلاء على فلسطين تلك العوامل التي ذكرت فحسب، بل كان ثمت العامل الصليبي الديني في أجلى مظاهره، تقول (برباره توخمان) (¬5): «وَهَكَذَا دَخَلَ الجِنِرَالْ (اللَّنْبِي) إِلَى القُدْسِ عَامَ 1918، فَنَجَحَ حَيْثُ كَانَ (رِيتْشَرْدْ) = (رِيكَارْدُوسْ قَلْبُ الأَسَدِ) قَدْ أَخْفَقَ. وَلَوْلاَ ذَلِكَ الاِنْتِصارُ (اِنْتِصارُ اللَّنْبِي) لَمَّا كَانَتْ إِعَادَةُ إِسْرَائِيلَ، إِلَى الآنَ، قَدْ أَصْبَحَتْ حَقِيقَةً وَاقِعَةً. وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بإِمْكَانِ (اللَّنْبِي) أَنْ يَنْجَحَ لَوْلاَ مُحَاوَلَةَ (رِيتْشَرْدْ): أَيْ لَوْ لَمْ تَكُنْ النَّصْرَانِيَّةُ قَدْ أَقَامَتْ، فِي الأَصْلِ، الأَسَاسَ الذِي يَحْمِلُ النَّصَارَى عَلَى التَّعَلُّقِ بِالأَرْضِ المُقَدَّسَةَ. وَإِنَّ مِنْ غَرِيبِ التَّهَكُّمِ أَنْ يَكُونَ اليَهُودُ قَدْ اِسْتَعَادُوا مَوْطِنَهُمْ، وَإِلَى حَدٍّ مَا، بِفِعْلِ الدِّينِ الذِي أَعْطَوْهُ لِلأُمِّيِّينَ» (¬6).

ووعد (بلفور) أيضًا لم يكن العامل الأساسي في إنشاء دولة إسرائيل. إن السياسات التي استترت وراء هذا الوعد هي التي أرادت خلق إسرائيل، سواءً أتقدم هذا الوعد في التاريخ أم تأخر وسواءً أكان أم لم يكن. قالت (برباره توخمان) (¬7):
¬__________
(¬1) Bible and Sword XIII
(¬2) Barbara W. Tuchman يمكن لفظ هذا الاسم (توشمان) أو (تتشمان).
(¬3) Bible and Sword, England and Palestine from the Bronze Age to Balfour
(¬4) Bible and Sword XIV
(¬5) idem
(¬6) الأميون هم غير اليهود. قسم اليهود الناس في أيامهم قسمين: يهودًا وأميين.
(¬7) Bible and Sword, 217

الصفحة 186