كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

ولما قامت دولة إسرائيل وتعقدت الأمور في الشرق العربي من أجل ذلك بدأت الاقتراحات للتهدئة ترد من كل مكان، وكلها تستند إلى أسس من السياسة والدين، من الاستعمار والتبشير. من تلك الاقتراحات رغبة فرنسا في العودة إلى الشرق لضبط الأمور وتصريفها بين العرب واليهود.

يزعم القائد الفرنسي الجنرال (بورر) [Buhrer] مزاعم غريبة، هو يقول (¬1):
«لَوْ لَمْ تَكُنْ الأَحْقَادُ الجِنْسِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ قُوِّيَّةً جِدًّا لَكَانَ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَحُلَّ التَّفَاهُمُ بَيْنَ الأُرْدُنِّ وَإِسْرَائِيلَ تِلْكَ المُشْكِلَةِ. وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ المُمْكِنِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَهُمَا تَفَاهُمٌ دَائِمٌ. وَسَيَأْتِي يَوْمٌ تَزُولُ فِيهِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الدَّوْلَتَيْنِ. أَمَّا المَمْلَكَةُ الأُرْدُنِيَّةُ الهَاشِمِيَّةُ فَيُمْكِنُ أَنْ تَنْطَوِي فِي الجُمْهُورِيَّةِ السُّورِيَّةِ. وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِسْرَائِيلَ وَلُبْنَانَ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتَرِحَا اتِّحَادًا فِي شَرْقِيِّ البَحْرِ الأَبْيَضِ المُتَوَسِّطِ».

هذا الزعم ليس من السياسة ولا من التاريخ في شيء. ولكن الجنرال (بورر) [Buhrer] استعماري، وقد حلل الموقف في هذا الجزء من العالم بالرغبة الاستعمارية التي في صدره. وسنجده يقول بعد خمس وعشرين صفحة من كتبه: «أَنَّ نَظَرِيَّةَ الحُكْمِ الإِلَهِيِّ فِي البِلاَدِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ العَرَبِ، تَتَمَسَّكُ بِالشَّكْلِ الكُلِّيِّ عَلَى الأَخَصِّ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الجُهُودِ التِي بُذِلَتْ لإِقْرَارِ المَبْدَأِ العِلْمَانِيِّ فِي الدَّوْلَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ المِلْكِيَّاتِ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَخَلَّى بَعْدُ عَنْ المَبَادِئِ الأَسَاسِيَّةِ مِنَ الدِّينِ الإِسْلاَمِيِّ، وَلاَ عَنْ المَبَادِئِ الأَسَاسِيَّةِ مِنَ النَّفْسِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ: لاَ خَلاَصَ بِغَيْرِ الإِسْلاَمِ (¬2) ... ثُمَّ إِنَّ إِسْرَائِيلَ نَفْسُهَا قَامَتْ عَلَى أَسَاسِ الدِّينِ اليَهُودِيِّ. وَهَكَذَا يَتَّضِحُ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ أَنَّ الشَّرْقَ لَمْ يَفْقِدْ بَعْدُ فِكْرَةَ الأُمَمِ الدِّينِيَّةِ التِي كَانَ يَأْخُذُ بِهَا مِنْ قَبْلُ ... لِذَلِكَ يَبْدُو مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ... أَنَّ فِرَنْسَا هِي التِي اِحْتَفَظَتْ، بِمَا لَهَا مِنَ النُّفُوذِ الثَّقَافِيِّ وَالأَدَبِيِّ، بِمُهِمَّةِ الدَّلاَّلَةِ وَالمَشُورَةِ وَالمُسَاعَدَةِ لِهَذِهِ الدُّوَلِ الفَتِيَّةِ مِنْ وَرَثَةِ الأُمَمِ القَدِيمَةِ حَتَّى تَسْتَطِيعَ هَذِهِ الدُّوَلُ أَنْ تَحْتَلَّ مَكَانًا فِي هَذَا العَالَمِ المُتَبَدِّلِ. لَقَدْ كَانَتْ فِرَنْسَا مِنْ قَبْلُ حَامِيَةً لِنَصَارَى الشُّرْقِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمُدَّ حِمَايَتَهَا النَّيِّرَةَ البَرِيئَةَ مِنَ الأَغْرَاضِ إِلَى جَمِيعِ الذِينَ يَسْكُنُونَ هَذَا الشَّرْقَ، سَوَاءً أَكَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى أَوْ مُسْلِمِينَ ... وَإِنَّ رِسَالَةَ فِرَنْسَا بِصِفَتِهَا حَامِيَةً لِلْنَّصَارَى قَدْ أَضْفَى عَلَيهَا دَائِمًا، فِي تِلْكَ
¬__________
(¬1) Ce que devient L'Islam p. 70, 95 - 96
(¬2) يقصد أن التفكير السياسي القديم كان يجعل من أهل كل دين أمة قائمة بنفسها.

الصفحة 189