كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي
لم يعلموا، - قصدوا أم لم يقصدوا - سوى طلائع لمطامع الاستعمار. إن الاستعمار قد قتل (باتريس لومومبا)، في عام 1961، مع أن لومومبا صابئ من الوثنية إلى النصرانية بفعل التبشير، لأنه أراد أن يكون في الكونغو استقلال صحيح. وأبرز من ذلك للعيان أن الولايات المتحدة التي ترسل الإرساليات إلى العالم للعمل على نشر النصرانية قد وقفت، في عام 1963، مع البوذيين في فيتنام ضد الحكومة المسيحية في ذلك البلد، إن الدول التِي تُمَوِّلُ الأعمال التبشيرية بملايين الدولارات لا يهمها الذي يصبأون إلى النصرانية إذا كان هواهم السياسي لا يوافق هواها الاستعماري.
ولقد رأينا أَنْ نُرْدِفَ هذه الطبعة ببضع صفحات تتعلق بالتبشير والاستعمار في أفريقيا، في بلاد عربية وفي بلاد غير عربية، فالاستعمار شَرٌّ مُعْدٍ ينتقل بين البلاد ولا يفرق بين الجنسيات.
إننا نرجو أنْ تُؤَدِّي هذه الطبعة قسطها من الرسالة التي بدأتها الطبعة الأولى وأكدتها الطبعة الثانية. وعسى أن ينقرض الاستعمار كله من جميع البلاد وأن يبطل التبشير احترامًا للحرية الانسانية واحترامًا للدين نفسه إجلالاً له عن أن يكون وسيلة مادية لمغانم دنيوية.
وإذا نحن تطرقنا في موقفنا إلى الجانب الأقصى رأينا أن نَفَرًا من المبشرين قد احترفوا نقل المعلومات بين الدول في ثياب التبشير:
وزعت وكالة " تاس " السوفياتية في بيروت (¬1) مقالاً نشرته جريدة " برافدا " في موسكو لمراسلها في بكين عاصمة الصين، وقد جاء في هذا المقال: «لَقَدْ أَدْخَلَ الاِسْتِعْمَارِيُّونَ الأَمَرِيكِيُّونَ إِلَى الصِّينِ مُبَشِّرِينَ مِنْ مُخْتَلَفِ المَذَاهِبِ اِسْتَخْدَمُوهُمْ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ فِي أَعْمَالِ الجَاسُوسِيَّةِ».
في هذا المقال اِتِّهَامَاتٌ مُوَجَّهَةٌ ووقائع مسرودة قد تكون، من حيث التفاصيل، موضع جدل، وقد يكون فيها مبالغة كما قد يكون فيها ظلم لنفر من المبشرين المخلصين لمذاهبهم وعملهم فيما يتعلق بهم أنفسهم، ولكن الذي لا ريب فيه أن الدول المستعمِرة، جميع الدول المستعمِرة، قد لجأت إلى الثوب الديني لتثبيت نفوذها ونشر مبادئها وخدمة مصالحها في كل مكان استطاعت فيه إلى ذلك سبيلاً.
يرى القارئ في ثنايا هذا الكتاب أن نَفَرًا من المبشرين كانوا مخلصين لعملهم الروحي
¬__________
(¬1) في النشرة الصادرة في الثالث عشر من حزيران من عام 1951 (واحد وخمسين) في العدد 113 (مائة وثلاثة عشر).
الصفحة 2
285