كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

لدعوته أن يهجر العرب لغتهم الأدبية (الفصحى) والمكتوبة بالحروف العربية إلى لهجة من لهجاتهم العامية مكتوبة بالحرف اللاتيني ليس تيسير العربية، ولكن قطع العرب صلتهم بالقرآن الكريم، إلا أن يبقى ليقرأ في المساجد كما تقرأ اللاتينية في الكنائس الكاثوليكية. وكذلك يريد الدكتور (فريحة) أن يقطع العرب صلتهم بالأدب القديم لأنه هو لا يستطيع أن يفهم الأدب الجاهلي أو " رسالة الغفران " لأبي العلاء المعري ولا أن يجد قيمة لشعر المتنبي.

كلنا نريد، في حياتنا العصرية، أن نيسر القراءة والكتابة في اللغة العربية، كما يسرنا حياتنا المنزلية بالاختراعات الأمريكية، وكما يسرنا انتقالنا بالطائرة والسيارة بدلاً من امتطاء الإبل والخيل والبغال والحمير. على أن الأمم لا تمزج عادة تراثها الروحي بالحياة الواقعية، ذلك لأن الأمم تستمد بقاءها من التراث الروحي. نحن نعلم كالدكتور (فريحة) أن الإملاء في اللغة الألمانية واللغة الإسبانية أهون من الإملاء باللغة العربية، ولكن الإملاء العربي أهون من الإملاء الإنجليزي والفرنسي. ونحن لا نذكر شيئًا عن اللغة اليابانية أو الصينية. ولكن اللغة العربية بالإضافة إلينا وإلى قومنا ليست واسطة للتفاهم فقط، بل هي رابطة قومية أيضًا وجامعة دينية وخزانة للثقافة الأدبية والروحية. فنحن العرب والمسلمين جميعًا نحتمل قواعد النحو العربي والكتابة بالحرف العربي، إن صح أن في النحو العربي والحرف العربي كل هذه الصعوبات والمشاكل التي يدعي الدكتور (فريحة) وجودها، في سبيل الحفاظ على هذه الصلة بعالمنا الذي بلغ ذروة تطوره عند نقطة في الزمان والمكان. وبعد، فنحن شاكرون لأسلافنا أنهم أقاموا سياجًا حول اللغة العربية، ذلك لأنهم أقاموا هذا السياج حولنا نحن. ثم إن مشاكل اللغة العربية، في النحو والخط، ليست أكثر من مشاكل اللغة الإنجليزية كثرة تقتضي هذه الحملة العنيفة على اللغة العربية والإسلام.

يحمل الدكتور (فريحة) على الرسم العربي (¬1) لأنه لا يثبت الحروف المصوتة (الدالة على الحركات) في صلب الكلمات. غير أنه اتفق في التاريخ أن الساميين اختاروا أن تتألف الكلمات من الحروف الساكنة وأن تعين حركات تلك الحروف بعلامات تسمى «شَكْلاً». فكتابة الحرف العربي مشكولاً يسقط حجج الدكتور (فريحة) كلها، إلا إذا ظل متمسكًا بأن طبع الكتب والمجلات بالحرف العربي ليس مشروعًا اقتصاديًا، وأن الطبع بالحرف اللاتيني أكثر توفيرًا للوقت والمال.

ولكن غاب عن الدكتور (فريحة) أن اللغات، كل اللغات، تصل إلينا بالرواية أكثر مما
¬__________
(¬1) " نحو عربية ميسرة ": ص 190 - 192.

الصفحة 229