كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

أَنَّهُ سَيَنْجَحُ، إِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ دُولاً عَرَبِيَّةً تَقْبَلُ المَعُونَةَ المِصْرِّيَّةَ ثُمَّ هِي تُكَافِحُ نُفُوذَ القَاهِرَةَ سِرًّا. أَمَا فِي الوَقْتِ الحاضِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَلاَّ نَنْظُرَ إلاَّ فِي مُخَطِّطِ الحَرَكَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، بِقِطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِمْكَاِن نَجَاحِهِ أَوْ خَيْبَتِهِ، لأَنَّ ذَلِكَ المُخَطَّطُ هُوَ سَبَبُ الضَّجَّةِ فِي شَمَالِيِّ أَفْرِيقْيَا ... إِنَّ فِرَنْسَا تُسَهِّلُ فِي كُلَّ عَامٍ لِلْمُسْلِمِينَ الرَّاغِبِينَ فِي الذَّهَابِ إِلَى الحَجِّ طَرِيقَ حَجِّهِمْ بِاسْتِئْجَارِهَا لَهُمْ سَفِينَةً خَاصَّةَ. وَهَاكَ مَا تَنْقَلِبُ إِلَيه هَذِهِ الرِّحْلَةُ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَد فِي بَرْنامَجِ نَاصِرٍ. إِنَّ الحَجِّ يُمْكِنُ أَنْ يُكُونَ قُوَّةً عَظِيمَةً فِي يَدِنَا لَوْ أَنَّنَا عَرَفْنَا كَيْفَ نَسْتَغِلُّهَا ... فِي مُؤْتَمِرٍ سِياسِيٍّ دَوْرِيٍّ يَجْمَعُ فِي كُلَّ عَامٍ قَادَةَ الدُّوَلِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَرِجَالَ الرَّأْيِ وَالعُلَمَاءِ وَالكُتَّابِ وَالتُّجَّارِ وَمُلُوكَ الصِّنَاعَةِ كَمَا يَجْمَعُ الشُّبَّانَ أيضًا. إِنَّ الحَرَكَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ قَدْ اِنْتَقَلَتْ إِلَى المَيْدَانِ العَمَلِيِّ، وَإِنَّ الشِّمَالَ الأَفْرِيقِيَّ لَيْسَ سِوَى لُقَمَةٍ (تَنْتَظِرُ) الاِبْتِلاَعَ ... لاَ تَبْتَسِمْ أَبَدًا! إِنَّ تْشَادْ (¬1) يَعْمَلُ اليَوْمَ فِيهَا رُسُلُ الشُّيُوعِيَّةِ وَالدِّعَايَةِ لِلْجَامِعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ. وَفِي الحَقِّ، لَوْ أَنْ البِيضَ (¬2) أَرَادُوا لَوَقَفَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي لَحْظَةٍ. وَلَكِنَّهُمْ يَتَنَاهَشُونَ وَيَتَرَبَّصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَارِهِ حَتَّى يَحِلَّ مَحَلَّهُ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ، وَإِنَّهُ لَخَطَرٌ عَلَيْهِمْ كَبِيرٌ أَلاَّ يُلْقُوا أُذُنًا صَاغِيَةً إِلَى أَصْوَاتِ المُسْلِمِينَ المَحْمُومَةِ. إِنَّ حَيَاةَ الرُّومِيِّ (¬3) لاَ تَزِنُ فِي الحَقِيقَةِ قَلِيلاً مَهْمَا كَانَ أَصْلُهُ وَمَهْمَا كَانَ دِينُهُ حِينَمَا يَقُودُ اللَّهَبُ الأَخْضَرُ أَتْبَاعَهُ المُتَعَصِّبَينَ.
وَالوَحْدَةُ العَرَبِيَّةُ (¬4) مَوْطِئُ قَدَمٍ أَقَامَتْهُ بَرِيطَانْيَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ (مِنَ العَرَبِ) يُلْقِي إِلَيْهِ بَالاً فِي زَمانِهِ. وَإِنَّنَا نَجِدُ فِي أَعْلَى السُّلَّمِ مِنْ حَرَكَةِ القَوْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ حَرَكَةَ الجَامِعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ التِي تَوَلَّتْهَا مِصْرُ، مِصْرُ التِي تَتَمَتَّعُ بِقِسْطٍ أَكْبَرَ مِنَ التَّطَوُّرِ وَمِنَ التَّمَدُّنِ الأُورُوبِيِّ وَالتِي تَنْعَمُ بِقِسْطٍ أَوْفَرَ مِنْ خِبْرَةِ البِيضِ الذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ مِنْ مِصْرَ تَابِعًا لَهُمْ. وَالجُنُونُ المِصْرِيُّ يُشَجِّعُهُ عَجْزُ هَيْئَةِ الأُمَمِ عَنْ حَلِّ مُشْكِلَةِ سَبْعِمِائَةِ أَلْفِ لاَجِئٍ عَرَبِيٍّ مُنْذُ نِهَاِيَةِ الحَرْبَ الإِسْرَائِيلِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ (عَامَ 1948)، تِلْكَ المُشْكِلَةُ التِي مَا زَالَتْ
¬__________
(¬1) تشاد كانت مستعمرة فرنسية في غربي أفريقيا ثم استقلت.
(¬2) البيض: الأوروبيون، الدول الأوروبية.
(¬3) الرومي: الأجنبي، الأوروبي المسيحي.
(¬4) في الأصل الفرنسي: Panarabisme

الصفحة 235