كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

وقد حمل هؤلاء المبشرين على أن يقدموا لنا في الولايات المتحدة صورة ناقصة مشوهة أو ساخرة في بعض الأحيان للمسلمين وللإسلام. وبينما كان المبشرون يرمون في تبشيرهم إلى التسامح كانوا أحيانًا ومن غير أن يشعروا يزرعون بذور سوء التفاهم. وكذلك حينما جاء المبشرون إلى تصوير أحوال الإمبراطورية العثمانية، يوم كانت الإمبراطورية العثمانية، عجزوا عن أن يشيروا إلى أن الآلام التي تَحْتَمِلُهَا الأقليات المسيحية قد تَحَمَّلَهَا أَيْضًا المواطنون الأتراك كلهم (¬1). فإذا كان الفلاح الأرمني قد تعرض لغارة كردية، فكذلك كان شأن الفلاح التركي. وإذا أرهق الفلاح البلغاري بالضرائب، فكذلك كانت حال الفلاح التركي. وعدا ذلك فإن التركي وحده (يقصد: المسلم)، ظل إلى عام 1909 مجبرًا على الخدمة العسكرية بينما كان المسيحي مُعْفَى منها لقاء ضريبة ضئيلة يدفعها. ولكن بما أن المبشر قد حذف كثيرًا من الخصائص والحقائق من الصورة التي رسمها للإمبراطورية العثمانية يومذاك، فإن الشعب الأمريكي لا يستطيع أن يميز، من النظر إلى هذه الصورة التي وصلت إليه، وبين الظالم والمظلوم. إن الشعب الأمريكي لم يكن عالمًا أن المسلمين والنصارى قد تألموا - على السواء - في الحياة تحت حكم إمبراطوري فاسد».

«ولقد لجأ المبشرون - كما يستطيعون أن يجمعوا الأموال - إلى استغلال حقائق ناقصة، وكذلك أخذت تفعل بعض جمعيات الإغاثة منذ زمن قريب. فنتج من ذلك أن العقل الأمريكي قد حيل بينه وبين الحقيقة الواضحة، وهي أن سكان الشرق الأدنى قد كانو ضحايا كوارث واحدة بقطع النظر عن جنسياتهم وأديانهم ...».
ولا حاجة إلى التعليق على رأي صريح هذه الصراحة، واضح هذا الوضوح (¬2).

ومن المبشرين نفرٌ يشتغلون بالآداب العربية والعلوم الإسلامية أو يستخدمون غيرهم في سبيل ذلك، ثم يرمون كلهم، مما يكتبون، إلى أن يوازنوا بين الآداب العربية والآداب الأجنبية، أو بين العلوم الإسلامية والعلوم الغربية (التي يعدونها نصرانية، لأن أمم الغرب تدين بالنصرانية) ليخرجوا دائمًا بتفضيل الآداب الغربية على الآداب العربية الإسلامية، وبالتالي إلى إبراز نواحي النشاط الثقافي في الغرب وتفضيلها على أمثالها في تاريخ العرب والإسلام. وما غايتهم من ذلك إلا خلق تخاذل روحي وشعور بالنقص في نفوس الشرقيين
¬__________
(¬1) يستعمل الكاتب كلمة «أتراك» ويعني بها «المسلمين».
(¬2) لما نقدت مجلة " العالم الإسلامي " هذا الكتاب حاولت أن تتأول ما فيه، ولكن لم يستقم لها التأويل The Muslim World, Oct. 1953. p. 304.

الصفحة 24