كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

ويظهر أن (رينيه بوتيه) (¬1) أخذ هذه الفرية من (جسب) لما قال: «وَهَكَذَا نَجِدُ مُنْذُ بَدْءِ عَامِ 1860 عَلاَمَاتٍ وَاضِحَةٍ لِلْعَدَاوَاتِ تَظْهَرُ فِي سُورِيَةَ ضِدَّ نَصَارَى لُبْنَانَ، كَمَا أَخْبَرَنَا الأَبُ (لاَفِيجِيرِي) أَنَّ مُؤَامَرَةً كَانَ قَدْ حَاكَهَا الحِزْبُ الإِسْلاَمِيُّ المُتَعَصِّبُ، أَمَّا مَرْكَزُهَا فَكَانَ فِي مَكَّةَ». ونحن نعلم - وقد لا يهمنا أن نعلم - إذا كان الكردينال (شارل مارتيال لافيجيري) خبط وجهل عريض بتاريخ هذه البلاد، أو كذب صراح يراد منه الدس والكيد وتسويد صفحات للأمم وللشعوب توصلاً باسم التبشير بالدين إلى أغراض دنيوية سياسية. لقد بدأ (لافيجيري) حياته مبشرًا في شمال أفريقيا والسودان، كلفه بذلك البابا (بيوس التاسع) (1846 - 1878) نفسه (¬2).
و (بيوس التاسع) قاوم الوحدة الإيطالية.

وجاءت مرة بوارج أمريكية وإنجليزية إلى مياه بيروت فكتب (جسب) يقول: «إِنَّ غَوْغَاءَ المُسْلِمِينَ الفُشَارِينَ المُتَعَصِّبِينَ قَدْ خَبَّأُوا رُؤُوسَهُمْ حِينًا مِنَ الزَّمَنِ» (¬3).

وبينما كان (يوليوس رشتر) (¬4) يكتب عن ثورة المهدي على الإنجليز في السودان بلغت به الحماسة إلى أن قال: «... هَذَا التَّعَصُّبُ الإِسْلاَمِيُّ الضَّيِّقَ الأُفُقِ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنْ بُغْضٍ لِلْثَّقَافَةِ» (¬5).

على أن أغرب ما في تلك المزاعم الجاهلة مزعم المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون). لقد انصرف (ماسينيون) في عهده الأخير عن العلم إلى التبشير لأن التبشير وسيلة إلى استعباد الذين يبدلون دينهم على يد المبشرين. زعم (ماسينيون) أن المسلمين يعتقدون في شأن عيسى ابن مريم على ما جاء في القرآن. من أجل ذلك يرجو أن توجه الجهود إلى جعلهم يعتقدون بعيسى ابن مريم نفسه، ولكن باسمه المسيحي (¬6). ولقد غاب عن (ماسينوين) - وذلك مستغرب - أن نظر المسلمين ونظر المسيحيين إلى عيسى ابن مريم مختلفان، ولا شأن لنا بذلك الآن. على أننا نود أن نقول للمستشرق (ماسينيون): إن «العُلَمَاءَ» لا يؤخذون بالأسماء وتشابه الألفاظ، ولا هم أيضًا يسترون مكائدهم الاستعمارية بالعلم.
¬__________
(¬1) René Pottier, Le Cardinal Lavigerie, 38 - 39
(¬2) Ibid 110 - 111
(¬3) .Jessup 748
(¬4) .Julius Richter
(¬5) Richter 366
(¬6) L'Islam et L'occident 164

الصفحة 44