كتاب توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية

فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأوصاف ونقائضها؛ فيصح أن يقال للجدار جاهل لا علم له، وأنه ميت لا حياة فيه، فإن الله تعالى وصف الجماد بالموت وعدم العلم.
فقال: {أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} 1 هذا الجواب الأول.
والجواب الثاني أن نقول: إن الله تعالى قادر على جعل الجماد حيا؛ كما جعل عصا موسى حية.
والجواب الثالث أن نقول: إن الذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات هو أعظم نقصا ممن لا يقبل الاتصاف بها –مع اتصافه بنقائضها- فإن الجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس أعظم نقصا من الحي الأعمى الأخرس!
وإذا عرفت هذا فاعلم: أن من قال: إن الله لا حي ولا ميت ولا متكلم ولا أخرس فقد جعل الله تعالى من الميت الأخرس، فهذا الرجل قد وقع في أشد مما فر منه حيث جعل الله تعالى مشابها بشيء أنقص حالا من الميت؛ لأن هذا الرجل قد أراد تنزيه الله تعالى، ولكن وقع في أقبح التشبيه وأوقحه.
حيث أراد أن ينزه الله تعالى عن تشبيه الحيون الذي يسمع.
فشبه الله تعالى بشيء أحط منزلة من الميت الذي لا يسمع!
فإن هذا تشبيه بالجمادات لا بالحيوانات، فلو شبه الله تعالى بالحيوانات لكان أقل قبحا، وكلاهما قبيح.
والجواب الرابع الذي أشار إليه شيخ الإسلام أن الحيون الذي
__________
1 سورة النحل

الصفحة 36