كتاب توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية

أقول: هذه الفلسفة الصوفية متضمنة للحق والباطل. فأما الحق فهو أن الكون لم يكن موجودا وسيفنى أيضا والله كان وسيكون لم يزل ولا يزال موجودا. وأما الباطل فهو اعتقاد في هذا الكون أنه غير موجود وأنه غير مشهود وأنه غير معروف وأنه لا تعلق لنا بالدنيا والأكل والشرب والزوج والزوجة أصلا.
(38) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة رحمه الله:
"أولئك يشبهون المجوس وهؤلاء يشبهون المشركين" 1.
الشرح:
أقول: يقصد شيخ الإسلام أن الصوفية الملاحدة الحلولية والوجودية الذين جل همهم التوحيد الكوني "أن الله حل في الكون، أو الكون هو الله"، ويعرضون عن توحيد الألوهية؛ فلا يتقيدون بالشرع ولا يأتمرون بأوامر الله ولا ينتهون عن نواهي الله تعالى. فهؤلاء الصوفية شرّ من القدرية المعتزلة، لأن القدرية يشبهون المجوس، لقول المعتزلة بأن العبد خالق لأفعاله فقالوا بخالقين تقول المجوس: إن خالق الشر شيء غير الله.
فهم أيضا قالوا بخالقين، ومع ذلك نرى أنهم أهل كتال ولكن هؤلاء الصوفية يشبهون المشركين الذين يعبدون الأوثان والأصنام ولا كتاب لهم.
ولا شك أن المشركين الوثنيين شر من المجوس لأن المجوس يعدون من أهل الكتاب، ولذا قرر الفقهاء أن المشركين لا جزية عليهم ولكن المجوس عليهم الجزية. فأنزلوهم منزلة أهل الكتاب وهم لا شك أنهم مشركون ولكن أخف شركا من شرك المشركين الوثنيين الذين يعبدون الأصنام.
__________
1 التدمرية ص92.

الصفحة 50