كتاب توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية

التفريق بين الحلال والحرام وبين الخير والشر وبين الظلم والعدل وبين الإسلام وبين الكفر، وبين التوحيد وبين الشرك وجعل هذه الأمور كلها بمنزلة واحدة، فقد ألحد وتزندق وخلط الحق بالباطل والكفر بالإسلام وناقض توحيد الألوهية، وإن كان آمن بتوحيد الربوبية بعض الشيء.
الحاصل: أنه لا يكفي أن ينظر الإنسان إلى الكون من حيث إنه كون مخلوق لله تعالى مربوب له.
بل ينظر إليه من حيث إنه كون مخلوق لله تعالى ومن حيث إن في هذا الكون ما يحبه الله تعالى وما يكرهه.
فيحب ما أحبه الله ويكره ما كره الله تعالى شرعا.
مع إيمانه أن هذه المحبوبات وتلك المكروهات كلها من هذا الكون وكلها من خلق الله تعالى.
فيميز بين كون الشيء كونا وخلقا، وبين كونه شرعا ورضا وكراهية. فلا يقف عند الحقيقة الكونية؛ بل يوفق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية جميعا، فكثير من الصوفية الحلولية والاتحادية وكثير من الفلاسفة والمتكلمين قد نظروا إلى الكون من حيث إنه كون، ولم يفرقوا بين الشرع وبين الكون. فوقعوا في أنواع من الكفر والإلحاد والزندقة، حيث أحلوا كثيرا من المحرمات بحجة أنها أمور كونية، ولهذا ترى هؤلاء الحلولية والاتحادية، يعتقدون أن جميع الأديان كلها حق وصواب، وأنه لا يوجد باطل في هذا الكون ولا يوجد محرم في هذا الكون، فكل ما في هذا الكون حلال وصواب وحق.
فأحلوا جميع الفروج وأن جميع ملل الكفار والوثنية كلها حق وصواب لأنهم لم ينظروا إلى الكون بنظر الشرع.

الصفحة 59