كتاب توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية

الطيبة وإذا سمع آيات الترهيب والنار، خاف ورق قلبه وخشع وبكى. فهذا من الأحوال الحسنة، ولكن إذا سمع آيات الجنة والنار، ولم يترقق قلبه بل زاد قسوة على قسوة، فهذا من الأحوال السيئة.
أما "الاصطلام" فهو في اصطلاح الصوفية: "وجد غامر يرد على العقول فيسلبها ويستلبها بقوة سلطانه وقهره"1.
أما "الفناء" فهو في اصطلاح الصوفية ما قاله الجرجاني الحنفي (816هـ) :
"الفناء سقوط الأوصاف المذمومة؛ كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة. والفناء فناءان: أحدهما: ما ذكرنا، وهو بكثرة الرياضة.
والثاني: عدم الإحساس بعالم الملكوت، وهو بالاستغراق في عظمة الباري، ومشاهدة الحق"2.
أقول: فناء الصوفية هذيان وإلحاد وزندقة وانحلال.
لأن سقوط الأوصاف المذمومة ووجود الأوصاف المحمودة، لا يمكن إلا بتقوى الله تعالى واجتناب نواهيه وإيثار أوامره، وعبادته سبحانه وتعالى، واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مع الإخلاص التام، فمثل هذا يسمى تقوى وإسلاما، وإيمانا وصلاحا، ورشدا، وتوحيدا، ولا يسمى فناء.
وأما قولهم في معنى "الفناء": "أنه عدم الإحسان بالكون، ومشاهدة الحق". فهذا انحلال وكفر صريح وارتداد قبيح؛ لأن هذه عقيدة وحدة الوجود، فأصحاب وحدة الوجود لا يرون شيئا من هذا
__________
1 انظر: اللمع للسراج الطوسي ص450، كما في معجم ألفاظ الصوفية ص41.
2 التعريفات 169.

الصفحة 61