كتاب الحسبة في الإسلام، أو وظيفة الحكومة الإسلامية
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس! من غشنا فليس مني" 1.
وفي رواية: "من غشني فليس مني". فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الغاش ليس بداخل في مطلق اسم أهل الدين والإيمان، كما قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" 2.
فسلبه حقيقة الإيمان التي بها يستحق حصول الثواب والنجاة من العقاب، وإن كان معه أصل الإيمان الذي يفارق به الكفار ويخرج به من النار.
والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه، كالذي مر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان.
ومن هؤلاء "الكيماوية" الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك، فيصنعون ذهبًا أو فضة أو عنبرًا أو مسكًا أو جواهر أو زعفرانًا أو ماء ورد أو غير ذلك، يضاهون به خلق الله، ولم يخلق الله شيئًا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، بل قال الله -عز وجل- فيما حكى عنه رسوله: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟
__________
1 "من غشنا فليس منا" رواه البزار في كشف الأستار 2/ 83، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات، وفي الباب كذلك عن حذيفة وابن عباس وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- "4/ 78"، ووجدناه بلفظ "من غش فليس مني" عند مسلم في صحيحه "2/ 468" عن أبي هريرة، وبلفظ "ليس منا من غش" رواه أبو داود في سننه "9/ 321" عنه أيضًا، وابن ماجه في سننه "2/ 749"، والإمام أحمد في مسنده "2/ 242"، "3/ 466"، "4/ 45"، وبلفظ "من غش فليس منا" عند الترمذي في سننه "6/ 55"، وقال: حديث حسن صحيح.
2 رواه مسلم في صحيحه "2/ 401" عن أبي هريرة، والنسائي في سننه "8/ 313". والدارمي في سننه "2/ 41"، ويذكر الخمر بعد الزنى رواه البخاري في صحيحه "5/ 119" عن أبي هريرة، وابن ماجه في سننه "2/ 1299". والحديث صحيح.
الصفحة 18
64