كتاب أصول التصحيح العلمي - المبيضة - ضمن «آثار المعلمي»
طبِّق المطبوع على تلك النسخة، ثم طبع منه ألف نسخة، فكأنه قد حصل من أمثال تلك النسخة ألف نسخة، وكل من وقع له نسخة من المطبوع كأنه وقعت له تلك النسخة القلمية نفسها.
وقد طبع المستشرقون "أنساب السمعاني" بالزنكوغراف ونشروه، فانتفع الناس به، وراجت نسخه على غلاء ثمنها مع ما فيه من الأغلاط الكثيرة. وفي هذا الصنيع تقليل للعمل وتوفير للنفقات، وذلك مما يرغِّب ملتزمي الطبع في طبع المؤلفات القديمة. وبذلك تخف قيم المطبوعات لقلة الغرامة في طبعها، فيسهل اقتناؤها على الراغبين مع الوفاء بالأمانة كما ينبغي. فإن كان هناك في الأصل أغلاط، فكلُّ عالم تقع له نسخة من المطبوع يصحح لنفسه.
أقول: أما إذا كان الطبع بالزنكوغراف، كما طبع "أنساب السمعاني"، فإن الأمر كما وصف؛ لكن في هذا الصنيع مفسدة، وهي أن الباعث على طبع الكتب القديمة أحد أمرين: إما طلب الربح وهو الغالب، وإما الرغبة في نشر ذاك الكتاب خدمةً للعلم أو إظهارًا لفضل مؤلفه أو غير ذلك؛ فإذا طبع الكتاب مرةً ضعفت الرغبة في طبعه مرةً أخرى.
أما طالبُ الربح فإنه لا يرجو ربحًا في الطبع مرة أخرى، لأنه يرى أن أكثر الراغبين في اقتناء الكتاب قد استغنوا بالطبعة الأولى. وأما الراغبُ في [ص ٣٠] نشر الكتاب فإنه يرى أنه قد انتشر بالطبعة الأولى. فطبعُ الكتاب من شأنه أن يحرم أهلَ العلم بقية نسخه الصحيحة إلى أمد طويل على الأقل، كما هو الشأن في "أنساب السمعاني"؛ فإن نسخه القلمية موجودة في مكاتب العالم ولم تتجه الرغبات إلى طبعه بعد تلك الطبعة إلى الآن،
الصفحة 32
236