كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 23)

١٠٣١٢ - عن حبيب بن أبي أوس، قال: حدثني عَمرو بن العاص من فيه، قال:
«لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق، جمعت رجالا من قريش، كانوا يرون مكاني، ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله، إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا، وإني قد رأيت رأيا، فما ترون فيه؟ قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه، أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا، فنحن من قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا خير، فقالوا: إن هذا الرأي، قال: فقلت لهم: فاجمعوا له ما نهدي له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم، فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده، إذ جاء عَمرو بن أُمية الضمري، وكان رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده، قال: فقلت لأصحابي: هذا عَمرو بن أُمية الضمري، لو قد دخلت على النجاشي، فسألته إياه، فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد، قال: فدخلت عليه، فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئا؟ قال: قلت: نعم أيها الملك، قد أهديت لك أدما كثيرا، قال: ثم قدمته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة، ظننت أن قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه، ثم قلت: أيها الملك، والله، لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر، الذي كان يأتي موسى لتقتله،
قال: قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ فقال: ويحك يا عَمرو، أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قال: فقلت: فتبايعني له على الإسلام؟ قال:

⦗١٠٣⦘
نعم، فبسط يده، وبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامدا لرسول الله صَلى الله عَليه وسَلم لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله، لقد استقام المنسم، وإن الرجل لنبي، أذهب والله أسلم، فحتى متى؟ قال: قلت: والله، ما جئت إلا لأسلم، قال: فقدمنا على رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فتقدم خالد بن الوليد، فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، قال: فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: يا عَمرو، بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، قال: فبايعته، ثم انصرفت».
قال ابن إسحاق: وقد حدثني من لا أتهم، أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما، أسلم حين أسلما.
أخرجه أحمد (١٧٩٣٠) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي، عن حبيب بن أبي أوس، فذكره (¬١).
---------------
(¬١) المسند الجامع (١٠٧٤٥)، وأطراف المسند (٦٧٩٩)، ومَجمَع الزوائد ٩/ ٣٥٠، وإتحاف الخِيرَة المَهَرة (٦٩٠٥).
والحديث؛ أخرجه الحارث بن أبي أُسامة «بغية الباحث» (١٠٢٩)،البيهقي ٩/ ١٢٣.

الصفحة 102