كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 23)

بيني وبينه خندقًا من نار وهولاً وأجنحة، فقال - عليه السلام -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" (¬1) الحديث، قال ابن أبي عروبة: قد فعل لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا فلم تختطفه الملائكة، وذلك والله أعلم؛ لأن فاعله لم يتعاطاه وأبو جهل تعاطى، وأيضًا من فعل به من خنق وشبهه لم يكن نهيًا عن العبادة فتضاعف جرم أبي جهل؛ لأنه كان يفعل ذلك في العبادة وهَدَّدَ فَهُدِّدَ.
(ص) ({اَلزَّبَانِيَةَ}: المَلاَئِكَةَ) قلت: وقيل الشُرَط (¬2) وهو مشتق من زَبنَهُ أي دفعه، كأنهم يدفعون الكفار إلى النار، واختلف في واحد الزبانية فقيل: زبينة وهو كل متمرد من إنس وجان، وقيل: زابن، وقيل: زباني، وقال الكسائي: زبني.
(ص) (وَقَالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعَى}: المَرْجِعُ) أخرجه عبد الرزاق عنه.
(ص) ({لَنَسْفَعًا} قَالَ: لَنَأْخُذَنْ و {لَنَسْفَعًا} بِالنُّونِ وَهْيَ الخَفِيفَةُ، سفَعْتُ بِيَدِهِ أَخَذْتُ): بمقدم رأسه فلنذلنه، وقيل: لنسودنَّ وجهه، واكتفى بذكر الناصية عنه إذ هي في مقدمه، وقيل: لنأخذن بها إلى النار كما قال: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام}.
وقال مقاتل: دخل - عليه السلام - الكعبة فوجد أبا جهل قد قلد هبل طوقًا من ذهب وطيبه وهو يقول: يا هبل لكل شيء شكر، وعزتك لأشكرنك من قابل، وكان قد ولد له في ذلك العام ألف ناقة وكسب ألف مثقال، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: والله لئن وجدتك هنا تعبد غير آلهتنا
¬__________
(¬1) عند مسلم رقم (2797) كتاب صفة الجنة والنار باب: قوله {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)}.
(¬2) "تفسير عبد الرزاق" 2/ 313 (3662).

الصفحة 563