كتاب تهذيب الآثار - الجزء المفقود

(سبحن واسترجعن من تألهي ... أَن كَاد أخلاقي من التَّنَزُّه)

يَعْنِي بقوله: " أَن كَاد - أخلاقي من التَّنَزُّه ": أَن تقترب أخلاقي من الترفع عَمَّا يكره من الْأُمُور. يُقَال مِنْهُ: تنزه فلَان عَن هَذَا الْأَمر: إِذا تنحى عَنهُ وارتفع.
وَأما قَول أبي مُوسَى: " فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن الْأُرْدُن أَرض غمقة، وَأَن الْجَابِيَة أَرض نزهة ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: إِن الْأُرْدُن أَرض غمقة: أَنَّهَا أَرض ندية كَثِيرَة الندى والطل. يُقَال: قد غمقت هَذِه الأَرْض، فَهِيَ تغمق غمقا، وَهِي أَرض غمقة.
وَمِنْه قَول رؤبة فِي صفة حمر:
(جوازيا يخبطن أنداء الغمق ... من باكر الوسمي نصاح البوق)

وَأما قَوْله: " وَإِن الْجَابِيَة أَرض نزهة " فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهَا بعيدَة من الغمق. وَإِنَّمَا وصفهَا بذلك؛ لِأَنَّهَا عَن الْبَحْر أَشد تنحيا من الْأُرْدُن. وَمَا قرب من الْبَحْر من الْبِلَاد فَهِيَ أندى وأطل وَأكْثر بلة مِمَّا بعد مِنْهَا مِنْهُ.
وَأما قَول أبي مُوسَى: " فَأمرنِي أَن أركب فأبوئ النَّاس مَنَازِلهمْ " فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: " فأبوئ النَّاس مَنَازِلهمْ ": فأتخذ لَهُم منَازِل ينزلونها، وأرتاد ذَلِك لَهُم. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره: {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} . يَعْنِي: تتَّخذ لَهُم مقاعد، وترتادها لَهُم، يُقَال: مِنْهُ بوأت الْقَوْم مَنَازِلهمْ، وبوأت لَهُم مَنَازِلهمْ كَمَا يُقَال: ردفتك، وردفت لَك. ونقدت لَهَا صَدَاقهَا، ونقدتها، فَأَنا أبوئهم تبوئة. ومسموع من الْعَرَب: أبأت الْقَوْم منزلا، فَأَنا أبيئها إباءة. وَيُقَال مِنْهُ: أبأت الْإِبِل: إِذا رَددتهَا إِلَى المباءة. والمباءة: المراح

الصفحة 99