كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 24)
الماء الدائم في معنى الحديث، وذلك أقرب إلى إطلاقه؛ لأن الماء كثيرًا ما يبلغ في الكثرة إلى حدٍّ لا يتنجَّس معه، وربَّما يبلغ إلى حدٍّ لا يتقذَّر معه، فأما بلوغه إلى حدٍّ لا يحتمل إضرار البول فيه فأقلُّ من ذلك.
ولكن ربما يدفع هذا بما قدَّمناه من احتمال أن يكون الشارع نظر إلى أن عدم النهي عن البول مطلقًا يؤدِّي إلى (¬١) أن يكثر البول من كثير من الناس بحيث يغيِّر الماء الكثيرَ فينجِّسه، إلا أن يقال: إن الماء قد يبلغ في الكثرة إلى حدٍّ لا يحتمل التغير بالبول فيه، وإن كثُر، ما دامت الكثرةُ إلى حدٍّ يُحتمل عادةً. فأما ما لا يحتمل عادةً فلا وجه لمراعاة الشارع إيَّاه.
وعلى فرض تسليم أنَّ العلَّة هي التنجُّس، فإمَّا أن يدَّعى أن ظاهره أن البولة الواحدة تنجِّس الماء، وإمَّا أن يقال: ظاهره أن البول في الماء قد ينجِّسه فيصدق بذلك وبما إذا كثر بول الناس فيه. والنهي صالح للأمرين وربما يرجَّح الأول بقوله: «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» (¬٢) بنصب (يغتسلَ). ولكن المعروف في الرواية الضم، ومنع بعضهم النصب عربيةً أيضًا؛ انظر «الفتح» (¬٣).
ويرجِّح الثاني إطلاق الماء، فلم يقيَّد بقلَّة ولا كثرة مع اتفاقهم على أنَّ الكثير لا ينجس إلا بالتغيُّر، وإن اختلفوا في حدِّ الكثير.
وحَمْل الدليل على ما يسلم معه من التقييد والتخصيص أصلًا ــ أو من
---------------
(¬١) في الأصل: «إلا» سبق قلم.
(¬٢) «صحيح البخاري» (٢٣٩)، وبنحو في «صحيح مسلم» (٢٨٢) من حديث أبي هريرة.
(¬٣) (١/ ٣٤٧).
الصفحة 205
488