كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 24)

ذلك أو عدمه، فيدخل حينئذٍ مَن آمن وعمل الصالحات ثم ارتدّ على عقبه، ثم يُجعَل معنى قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} أي ثبتوا على ذلك، فحينئذٍ يصحّ التبعيض؟
قلت: لا يخفى ما في هذا من التعجرف:
١ ــ لأنّ الله عز وجل وصف الذين معه بأنهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... }، وأطلق الوصف، وعبَّر بالاسم الدالّ على الثبات والدوام في (أشداء) و (رحماء)، وجاء بقوله: (تراهم) مخاطبًا لكل من يمكن منه الرؤية، فيشمل كل زمان.
٢ ــ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. فجاء بلفظ الماضي الذي يدل على وقوع ذلك فقط، فهو مناقض لغرض المعترض من الحمل على الثبات، وفيه حكمة بالغة سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.
بل لو جُعِل الخطاب فيه لخاصّة المؤمنين لم يلزم جواز ذلك، كما لا يلزم من قوله عز وجل لرسوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] وأمثالها من الآيات= جوازُ ذلك عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. بل إن خطابه عز وجل لرسوله بذلك وأمثاله هو من جملة العصمة. وهذه نكتة لطيفة ليس هذا محل إيضاحها.
وأمّا ما جاء في الحديث أن ناسًا يُحال بينهم وبين حوضه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيقول: «أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (¬١) = فنقول:
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٤٦٢٥)، ومسلم (٢٣٠٤) من حديث أنس بن مالك.

الصفحة 28