كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 24)
[بحث في معنى «أرأيتك»]
قولهم: «أرأيتك» أنها بمعنى أخبرني، فيه نظر. والظاهر أنها على أصلها، بمعنى: أعرفت كذا وكذا؟ والمقصود بها حمل المخاطَب على استحضار ذلك الشيء.
وقد تستعمل في هذا المعنى مع الكاف وبدونه.
فمن الأول: قوله تعالى ــ حكاية عن إبليس ــ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: ٦٢].
أراد ــ والله أعلم ــ: أعرفته؟ وهو يعلم أن الله عز وجل يعرفه، وإنّما أراد بذلك شِبه ما تريده من صاحب زيد (¬١) إذا قلت له: «أرأيتك زيدًا؟ لأقتلنَّه!»؛ تريد من استفهامه التوسل إلى إحضاره في ذهنه أوّلاً حتى تحكم عليه.
ومنه قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: ٤٠]. المعنى ــ والله أعلم ــ: أعرفتم فرض مجيء عذاب الله أو الساعة؟ أراد: أحضروا هذا الفرض في أذهانكم. ثم قال: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} أي: حينئذ. ففي الآية حذف وتقدير لا يخفى.
ومن الثاني: قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: ١٩]، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: ٥٨]، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: ٦٣]، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ} [الواقعة: ٦٨]، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ} [الواقعة: ٧١]. كأنّه قال: أحضروا هذا الشيء في أذهانكم، كما تقدم.
---------------
(¬١) الكلمتان مطموستان في الأصل، واستظهرتهما هكذا.