كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 24)

قال سعيد بن المسيب لغلامه: لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس (¬١).
ويحتمل أن يكون التشبيه في المقدار. ولا يلزم منه أفضلية ولا مساواة. فلو أنّ ملكًا أمرك أن تسأله حاجة، فقلتَ له: أعطني كما أعطيت فلانًا؛ لم يلزم من هذا أنّك تعتقد مساواته لك، وإنّما أردت بيان المقدار. على أنّه لو فرض إشعار ذلك بالمساواة، فلا بدع؛ فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "نحن أحقُّ بالشكّ من إبراهيم" (¬٢).
وقال له رجل: يا خير البرية. فقال: "ذاك إبراهيم" (¬٣). إلى غير ذلك مما بينّاه في مبحث التفضيل بين الأنبياء عليهم وآلهم الصلاة والسلام (¬٤).
وأبلغ من هذا: تأدب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين أراد أن يربط الشيطان الذي تفلَّت عليه في الصلاة حتى يراه الناس، ثم ذكر دعوة أخيه سليمان: رب {هَبْ لِي (¬٥) مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: ٣٥]، فترك ذلك تأدبًا مع سليمان ــ عليه السلام ــ، مع أنّ ربط الشيطان إنّما هو شيء يسير من ملك سليمان، لا يلزم منه مخالفة لدعوته، كما هو ظاهر، ولكنّه - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى أنّ مثل هذا ربما يكون فيه إيهام لذلك (¬٦).
---------------
(¬١) انظر "العلل": (٢/ ٧١) للإمام أحمد، و"الثقات": (٥/ ٢٣٠) لابن حبان.
(¬٢) أخرجه البخاري (٤٥٣٧)، ومسلم (١٥١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(¬٣) أخرجه مسلم (٢٣٦٩) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(¬٤) انظر التعليق على (ص ٤٠٢).
(¬٥) في الأصل: "آتني"، سهو.
(¬٦) وانظر في الكلام على هذه الآية ما سبق في الفوائد التفسيرية (ص ٥٩ - ٦٢).

الصفحة 434