كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 24)

فأما هلال بن أُمية، فجاءت امرأته إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فقالت له: إنه شيخ قد ضعف بصره، فهل تكره أن أصنع له طعامه؟ قال: لا، ولكن لا يقربنك، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم في امرأتك، كما استأذنت امرأة هلال بن أُمية، فقد أذن لها أن تخدمه، قال: فقلت: والله، لا أستأذنه فيها، وما أدري ما يقول رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إن استأذنته، وهو شيخ كبير، وأنا رجل شاب، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، حتى يقضي الله ما هو قاض، وطفقنا نمشي في الناس، ولا يكلمنا أحد، ولا يرد علينا سلاما، قال: فأقبلت، حتى تسورت جدارا لابن عم لي في حائطه، فسلمت، فما حرك شفتيه يَرد عليَّ السلام، فقلت: أنشدك بالله، أتعلم أني أحب الله ورسوله، فما كلمني كلمة، ثم عدت فلم يكلمني، حتى إذا كان في الثالثة، أو الرابعة، قال: الله ورسوله أعلم، فخرجت، فإني لأمشي في السوق، إذ

⦗٥٣⦘
الناس يشيرون إلي بأيديهم، وإذا نبطي من نبط الشام يسأل عني، فطفقوا يشيرون له إلي، حتى جاءني، فدفع إلي كتابا من بعض قومي بالشام: إنه قد بلغنا ما صنع بك صاحبك، وجفوته عنك، فالحق بنا فإن الله لم يجعلك بدار هوان، ولا دار مضيعة، نواسك في أموالنا، قال: قلت: إنا لله، قد طمع في أهل الكفر، فيممت به تنورا، فسجرته به، فوالله إني لعلى تلك الحال التي قد ذكر الله، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وضاقت علينا أنفسنا، صباحية خمسين ليلة، مذ نهي عن كلامنا، أنزلت التوبة على رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ثم آذن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وركض رجل إلي فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فنادى: يا كعب بن مالك، أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج، فلما جاءني الذي سمعت صوته، خففت له ثوبين ببشراه، ووالله، ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما، واستعرت ثوبين، فخرجت قبل رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم

الصفحة 52