كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 24)

حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، فأذن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم للناس بالرحيل، وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم، وذلك حين طاب الظلال، وطابت الثمار، فكان قلما أراد غزوة إلا وارى غيرها، وقال يعقوب، عن ابن أخي ابن شهاب: إلا ورى بغيرها ـ حدثناه أَبو سفيان، عن مَعمَر، عن الزُّهْري، عن عبد الرَّحمَن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، وقال فيه: ورى غيرها، ثم رجع إلى حديث عبد الرزاق، وكان يقول: الحرب خدعة، فأراد النبي صَلى الله عَليه وسَلم في غزوة تبوك، أن يتأهب الناس أهبته، وأنا أيسر ما كنت، قد جمعت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد، وخفة الحاذ، وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال، وطيب الثمار، فلم أزل كذلك، حتى قام النبي صَلى الله عَليه وسَلم غاديا بالغداة، وذلك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، فأصبح غاديا، فقلت: أنطلق غدا إلى السوق، فأشتري جهازي، ثم ألحق بهم، فانطلقت إلى السوق من الغد، فعسر علي بعض شأني، فرجعت، فقلت: أرجع غدا، إن شاء الله، فألحق بهم، فعسر علي

⦗٥٦⦘
بعض شأني أيضا، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب، وتخلفت عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فجعلت أمشي في الأسواق، وأطوف بالمدينة، فيحزنني أني لا أرى أحدا تخلف، إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق، وكان ليس أحد تخلف إلا رأى أن ذلك سيخفى له، وكان الناس كثيرا، لا يجمعهم ديوان، وكان جميع من تخلف عن النبي صَلى الله عَليه وسَلم بضعة وثمانين رجلا، ولم يذكرني النبي صَلى الله عَليه وسَلم حتى بلغ تبوكا، فلما بلغ تبوكا، قال: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من قومي: خلفه، يا رسول الله، برديه، والنظر في عطفيه، وقال يعقوب، عن ابن أخي ابن شهاب: برداه، والنظر في عطفيه ـ فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت، والله يا نبي الله، ما نعلم إلا خيرا، فبينا هم كذلك، إذا هم برجل يزول به السراب، فقال النبي صَلى الله عَليه وسَلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أَبو خيثمة، فلما قضى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم غزوة تبوك وقفل، ودنا من المدينة، جعلت أتذكر بماذا أخرج من سخطة النبي صَلى الله عَليه وسَلم وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي، حتى إذا قيل: النبي صَلى الله عَليه وسَلم هو مصبحكم بالغداة، زاح عني الباطل، وعرفت أني لا أنجو إلا بالصدق، ودخل النبي صَلى الله عَليه وسَلم ضحى، فصلى في المسجد ركعتين، وكان إذا جاء من سفر فعل ذلك، دخل المسجد فصلى ركعتين، ثم جلس، فجعل يأتيه من تخلف فيحلفون له، ويعتذرون إليه، فيستغفر لهم، ويقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، عز وجل،

الصفحة 55