كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 24)

فدخلت المسجد، فإذا هو جالس، فلما رآني تبسم تبسم المغضب، فجئت فجلست بين يديه، فقال: ألم تكن ابتعت ظهرك؟ قلت: بلى يا نبي الله، قال: فما خلفك؟ قلت: والله، لو بين يدي أحد من الناس غيرك جلست، لخرجت من سخطته بعذر، لقد أوتيت جدلا، وقال يعقوب، عن ابن أخي ابن شهاب: لرأيت أن أخرج من سخطته بعذر، وفي حديث عقيل: أخرج من سخطته بعذر، وفيه: ليوشكن أن الله يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، ثم رجع إلى حديث عبد الرزاق ـ: ولكن قد علمت، يا نبي الله، أني إن أخبرتك اليوم بقول تجد علي فيه، وهو حق، فإني أرجو فيه عفو الله، وإن حدثتك اليوم حديثا ترضى

⦗٥٧⦘
عني فيه، وهو كذب، أوشك أن يطلعك الله علي، والله، يا نبي الله، ما كنت قط أيسر، ولا أخف حاذا مني، حين تخلفت عنك، فقال: أما هذا فقد صدقكم الحديث، قم حتى يقضي الله فيك فقمت، فثار على أثري ناس من قومي يؤنبونني، فقالوا: والله، ما نعلمك أذنبت ذنبا قط قبل هذا، فهلا اعتذرت إلى النبي صَلى الله عَليه وسَلم بعذر يرضى عنك فيه، فكان استغفار رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم سيأتي من وراء ذنبك، ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ماذا يقضى لك فيه، فلم يزالوا يؤنبونني، حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي، فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا: نعم، هلال بن أُمية، ومرارة، يعني ابن ربيعة، فذكروا رجلين صالحين، قد شهدا بدرا، لي فيهما يعني أسوة، فقلت: والله، لا أرجع إليه في هذا أبدا، ولا أكذب نفسي، ونهى النبي صَلى الله عَليه وسَلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة، قال: فجعلت أخرج إلى السوق، فلا يكلمني أحد، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان، حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، وتنكرت لنا الأرض، حتى ما هي بالأرض التي نعرف، وكنت أقوى أصحابي، فكنت أخرج فأطوف بالأسواق، وآتي المسجد فأدخل، وآتي النبي صَلى الله عَليه وسَلم فأسلم عليه، فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام، فإذا قمت أصلي إلى سارية، فأقبلت قبل صلاتي، نظر إلي بمؤخر عينيه، وإذا نظرت إليه أعرض عني، واستكان صاحباي، فجعلا يبكيان الليل والنهار، لا يطلعان رؤوسهما، فبينا أنا أطوف السوق، إذا رجل نصراني جاء بطعام له يبيعه، يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي، فأتاني، وأتاني بصحيفة من ملك غسان،

الصفحة 56