كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 24)

فقلنا: لا تفعل، وما بلغنا أن نبي الله صَلى الله عَليه وسَلم يصلي إلا إلى الشام، وما كنا نصلي إلى غير قبلته، فأبينا عليه ذلك، وأبى علينا، وخرجنا في وجهنا ذلك، فإذا حانت الصلاة، صلى إلى الكعبة، وصلينا إلى الشام، حتى قدمنا مكة، قال كعب بن مالك: قال لي البراء بن معرور: والله، يا ابن أخي، قد وقع في نفسي ما صنعت في سفري هذا، قال: وكنا لا نعرف رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وكنا نعرف العباس بن عبد المطلب، كان يختلف إلينا بالتجارة ونراه، فخرجنا نسأل رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بمكة، حتى إذا كنا بالبطحاء، لقينا رجلا فسألناه عنه، فقال: هل تعرفانه؟ قلنا: لا والله، قال: فإذا دخلتم فانظروا الرجل الذي مع العباس جالسا فهو هو، تركته معه الآن جالسا، قال: فخرجنا حتى جئناه صَلى الله عَليه وسَلم فإذا هو مع العباس، فسلمنا عليهما، وجلسنا إليهما، فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: هل تعرف هذين الرجلين يا عباس؟ قال: نعم، هذان الرجلان من الخزرج، وكانت الأنصار إنما تدعى في ذلك الزمان، أوسها وخزرجها، هذا البراء بن معرور، وهو رجل من رجال قومه، وهذا كعب بن مالك، فوالله ما أنسى قول رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: الشاعر؟ قال: نعم، قال البراء بن معرور: يا رسول الله، إني قد صنعت

⦗٧٠⦘
في سفري هذا شيئا، أحببت أن تخبرني عنه، فإنه قد وقع في نفسي منه شيء، إني قد رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، وصليت إليها، فعنفني أصحابي وخالفوني، حتى وقع في نفسي من ذلك ما وقع، فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: أما إنك قد كنت على قبلة، لو صبرت عليها، ولم يزده على ذلك، قال: ثم خرجنا إلى منى، فقضينا الحج، حتى إذا كان وسط أيام التشريق، اتعدنا نحن ورسول الله صَلى الله عَليه وسَلم العقبة، فخرجنا من جوف الليل نتسلل من رحالنا، ونخفي ذلك ممن معنا من مشركي قومنا، حتى إذا اجتمعنا عند العقبة، أتى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، فتلا علينا رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم القرآن، فأجبناه وصدقناه، وآمنا به، ورضينا بما قال، ثم إن العباس بن عبد المطلب تكلم، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث قد علمتم، وإنا قد منعناه ممن هو على مثل ما نحن عليه، وهو في عشيرته وقومه ممنوع، فتكلم البراء بن معرور، وأخذ بيد رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وقال: بايعنا، قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ونساءكم وأبناءكم، قال: نعم، والذي بعثك بالحق، فنحن والله أهل الحرب، ورثناها كابرا عن كابر».

الصفحة 69