كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)

النبيُّ عَلى أُطُمٍ مِنْ آطامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أرَى؟ قالُوا: لَا، قَالَ: فإنِّي لأرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ المَطَرِ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة: وَالثَّانِي عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق ... إِلَى آخِره. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْحَج عَن عَليّ وَفِي الْمَظَالِم عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي نعيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: أشرف من الإشراف وَهُوَ الِاطِّلَاع من علو، وَفِي رِوَايَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَو فِي. قَوْله: على أَطَم بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْحصن وَالْقصر. قَوْله: خلال بُيُوتكُمْ أَي: أوساطها. وَقيل: الْخلال النواحي. قَوْله: كوقع الْمَطَر هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: كوقع الْقطر، وَهُوَ الْمَطَر أَيْضا والتشبيه فِي الْكَثْرَة والعموم لَا خُصُوصِيَّة لَهَا بطَائفَة. وَفِيه: إِشَارَة إِلَى الحروب الْجَارِيَة بَينهم كَقَتل عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، وَيَوْم الْحرَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء. وَفِيه: معْجزَة ظَاهِرَة للنَّبِي

5 - (بَاب ظُهُورِ الفِتَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ظُهُور الْفِتَن، وَهُوَ جمع فتْنَة.

7061 - حدّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، أخْبرنا عَبْدُ الأعْلَى، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَتَقارَبُ الزَّمانُ ويَنْقُصُ العَمَلُ ويُلْقَى الشُّحُّ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ ويَكْثُرُ الهَرْجُ قالُوا: يَا رسولَ الله أيُّمُ هُوَ؟ قَالَ: القَتْلُ القَتْلُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَتظهر الْفِتَن
وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَعبد الْأَعْلَى بن الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، وَمعمر بن رَاشد، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَعِيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقدر وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن كِلَاهُمَا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: يتقارب الزَّمَان كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: الزَّمن، وَهِي لُغَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ الْخطابِيّ: يتقارب الزَّمَان حَتَّى تكون السّنة كالشهر وَهُوَ كَالْجُمُعَةِ وَهِي كَالْيَوْمِ وَهُوَ كالساعة وَهُوَ من استلذاذ الْعَيْش كَأَنَّهُ وَالله أعلم يُرِيد خُرُوج الْمهْدي وَبسط الْعدْل فِي الأَرْض، وَكَذَلِكَ أَيَّام السرُور قصار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا لَا يُنَاسب أخواته من ظُهُور الْفِتَن وَكَثْرَة الْهَرج، وَقيل: تقَارب الزَّمَان اعْتِدَال اللَّيْل وَالنَّهَار، وَقيل: إِذا دنا قيام السَّاعَة، وَقيل: السَّاعَات الْأَيَّام والليالي تقصر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قد يكون مَعْنَاهُ تقلب أَحْوَال أَهله فِي ترك طلب الْعلم خَاصَّة وَالرِّضَا بِالْجَهْلِ وَذَلِكَ لِأَن النَّاس لَا يتساوون فِي الْعلم لتَفَاوت درجاته، قَالَ تَعَالَى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذاَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} وَإِنَّمَا يتساوون إِذا كَانُوا جُهَّالًا. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بتقارب الزَّمَان تسارع الدول فِي الِانْقِضَاء والقرون، إِلَى الانقراض، فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم. وَقَالَ ابْن بطال: مَعْنَاهُ. وَالله أعلم تفَاوت أَحْوَاله فِي أَهله فِي قلَّة الدّين حَتَّى لَا يكون فيهم من يَأْمر بِمَعْرُوف وَلَا ينْهَى عَن مُنكر لغَلَبَة الْفسق وَظُهُور أَهله، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا كَانَ فيهم أهل فضل وَصَلَاح وَخَوف الله يلجأ إِلَيْهِم عِنْد الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم وَيُؤْخَذ بقَوْلهمْ وآثارهم. قَوْله: وَينْقص الْعَمَل قيل: نقص الْعَمَل الْحسي ينشأ عَن نقص الدّين ضَرُورَة، وَأما الْمَعْنَوِيّ فسببه مَا يدْخل من الْخلَل بِسَبَب سوء الْمطعم وَقلة المساعد على الْعَمَل، وَالنَّفس ميالة إِلَى الرَّاحَة. قَوْله: ويلقى الشُّح أَي: الْبُخْل والحرص، ويلقى بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء وَالْمرَاد إلقاؤه فِي قُلُوب النَّاس على اخْتِلَاف أَحْوَالهم وَلَيْسَ المُرَاد وجود أصل الشُّح لِأَنَّهُ لم يزل مَوْجُودا. وَقَالَ الْحميدِي: الْمَحْفُوظ فِي الرِّوَايَات: يلقى، بِضَم أَوله وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف أَي: يتلَقَّى ويتعلم ويتواصى بِهِ، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون إِلْقَاء الشُّح عَاما فِي الْأَشْخَاص، والمحذور من ذَلِك مَا يَتَرَتَّب

الصفحة 182