كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)
بدر بِلَفْظ: أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار ... الحَدِيث، وَهَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله: فَضرب بِالسَّيْفِ قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ قطع يَده وَهُوَ مِمَّن يكتم إيمَانه؟ فَأجَاب بقوله: دفعا للصائل، أَو السُّؤَال كَانَ على سَبِيل الْفَرْض والتمثيل لَا سِيمَا وَفِي بعض الرِّوَايَات: إِن لقِيت، بِحرف الشَّرْط. قَوْله: ثمَّ لَاذَ بشجرة أَي: التجأ إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ لَاذَ مني أَي منع نَفسه مني، وَقَالَ: أسلمت لله. أَي: دخلت فِي الْإِسْلَام. قَوْله: أَقتلهُ؟ أَي: أأقتله؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة. قَوْله: بعد أَن قَالَهَا أَي: بعد أَن قَالَ كلمة الْإِسْلَام. قَوْله: فَإِن قتلته أَي: بعد أَن قَالَ: أسلمت لله. . الخ قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: بمنزلتك أَي: الْكَافِر مُبَاح الدَّم قبل الْكَلِمَة، فَإِذا قَالَهَا صَار مَحْظُور الدَّم كَالْمُسلمِ، فَإِن قَتله الْمُسلم بعد ذَلِك صَار دَمه مُبَاحا بِحَق الْقصاص كالكافر بِحَق الدّين، فالتشبيه فِي إِبَاحَة الدَّم لَا فِي كَونه كَافِرًا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنْت بِقصد قَتله آثِما كَانَ هُوَ أَيْضا بِقصد قَتلك آثِما، فالتشبيه بالإثم انْتهى. قلت: قَوْله الأول كَلَام الْخطابِيّ نَقله عَنهُ وَحَاصِله اتِّحَاد المنزلتين مَعَ اخْتِلَاف المأخذ، فَالْأول: أَنه مثلك فِي صون الدَّم، وَالثَّانِي: أَنَّك مثله فِي الهدر. وَقَوله الثَّانِي كَلَام الْمُهلب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك صرت قَاتلا كَمَا كَانَ هُوَ قَاتلا. قَالَ: وَهَذَا من المعاريض لِأَنَّهُ أَرَادَ الإغلاظ بِظَاهِر اللَّفْظ دون بَاطِنه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن كلاًّ مِنْهُمَا قَاتل وَلم يرد أَنه صَار كَافِرًا بقتْله إِيَّاه. وَقيل: إِن قتلته مستحلاً لقَتله فِي الْكفْر فَأَنت مستحل مثله، وَالْحَاصِل من هَذَا كُله النَّهْي عَن قتل من يشْهد بِالْإِسْلَامِ. وَاحْتج بَعضهم بقوله: أسلمت لله، على صِحَة إِسْلَام من قَالَ ذَلِك وَلم يزدْ عَلَيْهِ، ورد ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي الْكَفّ على أَنه ورد فِي بعض طرقه أَنه قَالَ: لَا إلاه إلاَّ الله، وَهِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث.
6866 - وَقَالَ حَبِيبُ بنُ أبي عَمْرَةَ: عنْ سَعِيدٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمِقْدَادِ إِذا كَانَ رجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفي إيمانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فأظْهَرَ إيمانَهُ فَقَتلْتَهُ، فَكَذالِكَ كُنْتَ أنْتَ تُخْفي إيمانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ
مطابقته لحَدِيث الْمِقْدَاد من حَيْثُ إِن الْمَعْنى قريب. وحبِيب ضد الْعَدو ابْن أبي عمْرَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء القصاب الْكُوفِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم وَالِد مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن حبيب بن أبي ثَابت. وَفِي أَوله: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فِيهَا الْمِقْدَاد، فَلَمَّا أتوهم وجدوهم تفَرقُوا، وَفِيهِمْ رجل لَهُ مَال كثير لم يبرح فَقَالَ: أشهد، أَن لَا إلاه إِلَّا الله، فَأَهوى إِلَيْهِ الْمِقْدَاد فَقتله ... الحَدِيث. وَفِيه: فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: يَا مقداد قتلت رجلا قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله؟ فَكيف لَك: بِلَا إلاه إلاَّ الله؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذالِكَ كُنتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} الْآيَة فَقَالَ النَّبِي لِلْمِقْدَادِ: كَانَ رجل مُؤمن يخفي إيمَانه الخ.
2 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} قَالَ ابنُ عَبَّاس: منْ حَرَّ مَقَتْلَها إلاّ بِحَقِّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وَقع فِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بَاب قَوْله تَعَالَى: وَزَاد الْمُسْتَمْلِي والأصيلي {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وَأول الْآيَة:) ( {مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعا وَمن أَحْيَاهَا} {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} الْآيَة وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس أخرجه إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد السَّامِي فِي تَفْسِيره عَنهُ، وَرَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن خصيف عَن مُجَاهِد عَنهُ فَذكره.
6867 - ح دّثنا قَبِيصةُ، حدّثنا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ، عنْ عَبْدِ الله بن مُرَّةً، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ
الصفحة 33
288