كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)
الْقود عَن بشر بن خَالِد.
قَوْله: إلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاث أَي: بِإِحْدَى خِصَال ثَلَاث. قَوْله: وَالنَّفس بِالنَّفسِ أَي: تقتل النَّفس الَّتِي قتلت عمدا بِغَيْر حق بِمُقَابلَة النَّفس المقتولة. قَوْله: وَالثَّيِّب الزَّانِي أَي: الثّيّب من لَيْسَ ببكر يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، يُقَال: رجل ثيب وَامْرَأَة ثيب، وَأَصله واوي لِأَنَّهُ من ثاب يثوب إِذا رَجَعَ لِأَن الثّيّب بصدد الْعود وَالرُّجُوع. قلت: أَصله ثويب، قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَهُوَ الثَّانِي من الثَّلَاث، وَهُوَ بَيَان اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك، وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن الزَّانِي الَّذِي لَيْسَ بمحصن حَده جلد مائَة. قَوْله: والمارق من الدّين كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: والمفارق لدينِهِ وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والسرخسي وَالْمُسْتَمْلِي. والمارق لدينِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ التارك لدينِهِ من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة، وَقَالَ شَيخنَا فِي شرح التِّرْمِذِيّ هُوَ الْمُرْتَد، وَقد أجمع الْعلمَاء على قتل الرجل الْمُرْتَد إِذا لم يرجع إِلَى الْإِسْلَام، وأصر على الْكفْر. وَاخْتلفُوا فِي قتل الْمُرْتَدَّة فَجَعلهَا أَكثر الْعلمَاء كَالرّجلِ الْمُرْتَد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تقتل الْمُرْتَدَّة لعُمُوم قَوْله: نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان قَوْله: التارك للْجَمَاعَة قيد بِهِ للإشعار بِأَن الدّين الْمُعْتَبر هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الشَّافِعِي يقتل بترك الصَّلَاة؟ . قلت: لِأَنَّهُ تَارِك للدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام يَعْنِي الْأَعْمَال ثمَّ قَالَ: لم لَا يقتل تَارِك الزَّكَاة وَالصَّوْم؟ وَأجَاب بِأَن الزَّكَاة يَأْخُذهَا الإِمَام قهرا، وَأما الصَّوْم فَقيل: تَاركه يمْنَع من الطَّعَام وَالشرَاب لِأَن الظَّاهِر أَنه ينويه لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه. انْتهى. قلت: فِي كل مَا قَالَه نظر. أما قَوْله فِي الصَّلَاة: لِأَنَّهُ تَارِك للدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام، يَعْنِي الْأَعْمَال فَإِنَّهُ غير موجه، لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الدّين والأعمال غير دَاخِلَة فِيهِ، لِأَن الله عز وَجل عطف الْأَعْمَال على الْإِيمَان فِي سُورَة الْعَصْر، والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَلِهَذَا اسْتشْكل إِمَام الْحَرَمَيْنِ قتل تَارِك الصَّلَاة من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَنه: لَا يقتل، وَاسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْفضل الْمصْرِيّ الْمَالِكِي بِهَذَا الحَدِيث على أَن تَارِك الصَّلَاة لَا يقتل إِذا كَانَ تكاسلاً من غير جحد. فَإِن قلت: احْتج بعض الشَّافِعِيَّة على قتل تَارِك الصَّلَاة بقوله أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إلاه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة قلت: قد رد عَلَيْهِ ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَن هَذَا إِن أَخذه من مَنْطُوق قَوْله: أَن أقَاتل النَّاس فَفِيهِ بعد، فَإِنَّهُ فرق بَين الْمُقَاتلَة على الشَّيْء وَالْقَتْل عَلَيْهِ، وَإِن أَخذه من قَوْله: فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَهَذَا دلَالَة الْمَفْهُوم، وَالْخلاف فِيهَا مَعْرُوف. وَدلَالَة مَنْطُوق حَدِيث الْبَاب تترجح على دلَالَة الْمَفْهُوم.
وَأما قَول الْكرْمَانِي بِأَن الزَّكَاة يَأْخُذهَا الإِمَام قهرا مِنْهُ فَفِيهِ خلاف مَشْهُور فَلَا تقوم بِهِ حجَّة. وَأما قَوْله: لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه أَي: لِأَن تَارِك الصَّوْم مُعْتَقد لوُجُوبه فَيرد عَلَيْهِ أَن تَارِك الصَّلَاة أَيْضا يعْتَقد وُجُوبهَا، وَاسْتدلَّ بعض جمَاعَة بقوله: التارك الْجَمَاعَة، على أَن مُخَالف الْإِجْمَاع كَافِر فَمن أنكر وجوب مجمع عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، وَالصَّحِيح تَقْيِيده بإنكار مَا يعلم وُجُوبه من الدّين ضَرُورَة: كالصلوات الْخمس، وَقيد بَعضهم ذَلِك بإنكار وجوب مَا علم وُجُوبه بالتواتر: كالقول بحدوث الْعَالم فَإِنَّهُ مَعْلُوم بالتواتر، وَقد حكى القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على تَكْفِير الْقَائِل، بقدم الْعَالم وَاسْتثنى بَعضهم مَعَ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة: الصَّائِل، فَإِنَّهُ يجوز قَتله للدَّفْع؟ وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز دَفعه إِذا أدّى إِلَى الْقَتْل. فَلَا يحل تعمد قَتله إِذا انْدفع بِدُونِ ذَلِك، فَلَا يُقَال: يجوز قَتله، بل دَفعه. وَقيل: الصَّائِل على قتل النَّفس دَاخل فِي قَوْله. التارك الْجَمَاعَة، وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا على قتل الْخَوَارِج والبغاة لدخولهم فِي مُفَارقَة الْجَمَاعَة، وَفِيه حصر مَا يُوجب الْقَتْل فِي الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض أَصْحَابهم: أَن أَسبَاب الْقَتْل عشرَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَا يخرج عَن هَذِه الثَّلَاثَة بِحَال، فَإِن من سحر أَو سبّ الله أَو سبّ النَّبِي أَو الْملك فَإِنَّهُ كَافِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى: {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فأباح الْقَتْل بِالْفَسَادِ، وَبِحَدِيث قتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، وَقيل: هما فِي الْفَاعِل بالبهيمة.
7 - (بابُ مَنْ أقادَ بالحَجَرِ)
الصفحة 41
288