كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)

يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلى المِنْبَرِ، فَلمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قامَ فأثْنى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي قائِلٌ لَكُمْ مَقالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أنْ أقُولَها، لَا أدْرِي لَعَلَّها بَيْنَ يَدَيْ أجَلِي، فَمَنْ عَقَلَها وَوعاها فَلْيُحَدِّثْ بِها حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ راحِلَتُهُ، ومَنْ خَشِيَ أنْ لَا يَعْقِلَها فَلا أُحِلُّ لأِحَدٍ أنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إنَّ الله بعَثَ مُحَمَّداً بالحَقِّ وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتابَ فَكانَ مِمَّا أنْزَلَ الله آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْناها وعَقَلْناها وَوَعَيْناها، فَلِذَا رَجَمَ رسولُ الله وَرَجَمْنا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طالَ بالنَّاسِ زَمانٌ أنْ يَقُولَ قائِلٌ: وَالله مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْك فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا الله، والرَّجْمُ فِي كِتابِ الله حَقٌّ عَلى مَنْ زَنَى، إِذا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أوْ كَانَ الحَبَلُ أَو الاعِتْرِافُ، ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيما نَقْرَأُ مِنْ كِتابِ الله: أنْ لَا تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ فإنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أوْ إنَّ كُفْراً بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أَلا ثُمَّ إنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسى ابنُ مَرْيَمَ وقُولُوا عَبْدُ الله ورسُولُهُ ثُمَّ إنّهُ بَلَغَنِي أنَّ قائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ: وَالله لوْ ماتَ عُمَرُ بايَعْتُ فُلاناً، فَلا يَغْتَرَّنَ امْرُؤٌ أنْ يَقُولَ: إنّما كانَتْ بَيْعَةُ أبي بَكْرٍ فَلْتَةً، وتَمَّتْ، ألاَّ وإنَّها قَدْ كانَتْ كَذالِكَ، ولاكِنَّ الله وَقاى شَرَّها ولَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأعْناقُ إلَيْهِ مِثْلُ أبي بَكْرٍ، مَنْ بايَعَ رَجُلاً مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلا يُبايَعُ هُوَ، وَلَا الّذِي بايَعَهُ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلاَ، وإنهُ قَدْ كانَ منْ خَيْرِنا حِينَ تُوَفَّي الله نَبيَّهُ أَلا إنَّ الأنْصارَ، خالَفُونا واجْتَمَعُوا بِأسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةَ بَنِي ساعِدَةَ، وخالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ والزُّبَيْرُ ومَنْ مَعَهُما، واجْتَمَعَ المُهاجِرُون إِلَى أبي بَكْرٍ فَقُلْتُ لأبي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْر انْطَلِقْ بِنا إِلَى إخْوانِنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فانْطَلَقْنا نُريدهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنا مِنْهُمْ لَقِينا مِنْهُمْ رَجُلانِ صالِحانِ فَذَكَرا مَا تَمالاى عَلَيْهِ القَوْمُ فَقالا: أيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ؟ فَقُلْنا: نُرِيدُ إخْوانَنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فانْطَلَقْنا حتَّى أتيْناهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، فَإِذا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هاذا؟ فَقالُوا: هاذا سَعْدُ بنُ عُبادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لهُ؟ قالُوا: يُوعَكُ، فَلمَّا جَلَسْنا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فأثْناى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أما بَعْدُ فَنَحْنُ أنْصارُ الله وكَتِيبَةُ الإسْلامِ، وأنْتُمْ مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ رَهطٌ، وقَدْ دَفَّتْ دافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذا هُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَزِلونا مِنْ أصْلِنا، وأنْ يَحْضُنُونا مِنَ الأمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ وكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقالَةً أعْجَبَتَنِي أُريدُ أنْ أُقَدِّمَها بَيْنَ يَدَيْ أبي بَكْرٍ، وكُنْتُ أُدارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ قَالَ أبُو بَكْرٍ: عَلى رِسْلِكِ ... فكَرِهْتُ أَن أغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ فَكانَ هُوَ أحْلَمَ مِنِّي وأوْقَرَ، وَالله مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِيِ إلاَّ قَالَ فِي بَديهَتِهِ مِثْلَها، أوْ أفْضَلَ مِنْها حتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ

الصفحة 7