كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)

فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحقُّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلّا الله وَفِي رِوَايَة مُسلم: من وحد الله وَكفر بِمَا يعبد من دونه حرم دَمه وَمَاله. قَوْله: من فرق بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها وَالْمرَاد بِالْفرقِ من أقرّ بِالصَّلَاةِ وَأنكر الزَّكَاة جاحداً أَو مَانِعا مَعَ الِاعْتِرَاف. قَوْله: فَإِن الزَّكَاة حق المَال يُشِير إِلَى دَلِيل منع التَّفْرِقَة الَّتِي ذكرهَا أَن حق النَّفس الصَّلَاة وَحقّ المَال الزَّكَاة، فَمن صلى عصم نَفسه وَمن زكى عصم مَاله، فَإِن لم يصل قوتل على ترك الصَّلَاة وَمن لم يزك أخذت الزَّكَاة من مَاله قهرا، وَإِن نصب الْحَرْب لذَلِك قوتل. قَوْله: عنَاقًا بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون: الْأُنْثَى من ولد الْمعز، وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عِنْد مُسلم: عقَالًا، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث: عنَاقًا أصح، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة ذكرهَا أَبُو عبيد: لَو مَنَعُونِي جدياً أذوط صَغِير الفك والذقن. قَوْله: فَعرفت أَي: بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق وَغَيره إِذْ لَا يجوز للمجتهد أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد.

4 - (بابٌ إِذا عَرَّضَ الذِّمِيُّ وغَيْرُهُ بِسَبِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمولَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيْكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِيمَا عرض بتَشْديد الرَّاء من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح، وَهُوَ نوع من الْكِنَايَة. قَوْله: وَغَيره أَي: وَغير الذِّمِّيّ نَحْو الْمعَاهد وَمن يظْهر الْإِسْلَام قَوْله: بسب النَّبِي أَي: بتنقيصه، وَلَكِن لم يُصَرح بل بالتعريض نَحْو قَوْله: السَّام بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ الْمَوْت قَوْله: عَلَيْك هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم، فَقيل: لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيض السب. وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يرد بِهِ التَّعْرِيض المصطلح عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَعْمل لفظا فِي حَقِيقَته يلوح بِهِ إِلَى معنى آخر يَقْصِدهُ، وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين فَإِن عِنْدهم أَن من سبّ النَّبِي أَو عابه فَإِن كَانَ ذِمِّيا عزّر وَلَا يقتل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن كَانَ مُسلما صَار مُرْتَدا بذلك، وَإِن كَانَ ذِمِّيا لَا ينْتَقض عَهده، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقَول الْيَهُودِيّ لرَسُول الله السام عَلَيْك، لَو كَانَ مثل هَذَا الدُّعَاء من مُسلم لصار بِهِ مُرْتَدا يقتل، وَلم يقتل الشَّارِع الْقَائِل بِهِ من الْيَهُود لِأَن مَا هم عَلَيْهِ من الشّرك أعظم من سبه. فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين وَلم يُصَرح بِالْجَوَابِ فِي التَّرْجَمَة؟ . قلت: عدم تصريحه يدل على ذَلِك إِذْ لَو اخْتَار غَيره لصرح بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن حَدِيث الْبَاب لَا يدل على قتل من يسبه من أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُ لم يقْتله. فَإِن قلت: إِنَّمَا لم يقْتله لمصْلحَة التَّأْلِيف أَو لعدم قيام الْبَيِّنَة بالتصريح. قلت: لم يقتلهُمْ بِمَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَهُوَ الشّرك كَمَا ذَكرْنَاهُ على أَن قَوْله: السام عَلَيْك، الدُّعَاء بِالْمَوْتِ وَالْمَوْت لَا بُد مِنْهُ. فَإِن قلت: قتل النَّبِي كَعْب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ قَالَ: من لكعب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي الله وَرَسُوله؟ وَوجه إِلَيْهِ من قَتله غيلَة، وَقتل أَبَا رَافع قَالَ الْبَزَّار: كَانَ يُؤْذِي رَسُول الله ويعين عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيث آخر: أَن رجلا كَانَ يسبه فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ خَالِد: أَنا فَبَعثه إِلَيْهِ فَقتله. قَالَ ابْن حزم: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند رَوَاهُ عَن النَّبِي رجل من بلقين وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَهُوَ اسْمه وَبِه يعرف: وَذكر عبد الرَّزَّاق أَنه سبه رجل فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ الزبير: أَنا، فَقتله. قلت: الْجَواب فِي هَذَا كُله أَنه لم يقتلهُمْ بِمُجَرَّد سبهم وَإِنَّمَا كَانُوا عوناً عَلَيْهِ ويجمعون من يحاربونه، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط نَادَى: يَا معاشر قُرَيْش؟ مَا لي أقتل من بَيْنكُم صبرا؟ فَقَالَ لَهُ بكفرك وافترائك على رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، على أَن هَؤُلَاءِ كلهم لم يَكُونُوا من أهل الذِّمَّة، بل كَانُوا مُشْرِكين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله.

الصفحة 82