كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)
وَكَأَنَّهُ اشْتبهَ عَلَيْهِ بمَكَان آخر يُقَال فِيهِ ذَات حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ مَوضِع بَين الْمَدِينَة وَالشَّام يسلكه الْحَاج وَزعم السُّهيْلي أَن هشيما كَانَ يَقُولهَا أَيْضا حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ وهم أَيْضا وَالأَصَح خَاخ بمعجمتين قَوْله تسير من السّير جملَة وَقعت حَالا من الْمَرْأَة الَّتِي مَعهَا الْكتاب وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن تشتد من الاشتداد بالشين الْمُعْجَمَة قَوْله فابتغينا أَي طلبنا قَوْله فَقَالَ صَاحِبَايَ وهما الزبير وَأَبُو مرْثَد ويروى فَقَالَ صَاحِبي بِالْإِفْرَادِ بِاعْتِبَار أَن وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَ قَوْله لقد علمنَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني لقد علمتما بِالْخِطَابِ لصاحبيه قَوْله ثمَّ حلف عَليّ وَالَّذِي يحلف بِهِ أَي قَالَ وَالله لِأَن الَّذِي يحلف بِهِ هُوَ لَفْظَة الله قَوْله " أَو لأجردنك " أَي أنزع ثِيَابك حَتَّى تَكُونِي عُرْيَانَة وَكلمَة أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى وينتصب الْمُضَارع بعْدهَا بِأَن مضمرة نَحْو قَوْله لألزمنك أَو تقضيني حَقي أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل أَو لأَقْتُلَنك ويروى لأجزرنك بجيم ثمَّ زَاي أَي أصيرك مثل الْجَزُور إِذا ذبحت ويروى لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب قَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد النُّون قَالَ وَالْيَاء زَائِدَة وَقَالَ الْكرْمَانِي هُوَ بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا كَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة بِإِثْبَات الْيَاء وَالْقَوَاعِد التصريفية تَقْتَضِي حذفهَا لَكِن إِذا صحت الرِّوَايَة فلتحمل على أَنَّهَا وَقعت على طَرِيق المشاكلة لتخْرجن وَهَذَا تَوْجِيه الكسرة وَأما الفتحة فَتحمل على خطاب المؤنثة الغائبة على طَرِيق الِالْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة قَالَ وَيجوز فتح الْقَاف على الْبناء للْمَجْهُول فعلى هَذَا فَترفع الثِّيَاب وَاخْتلف هَل كَانَت هَذِه الْمَرْأَة مسلمة أَو على دين قَومهَا فالأكثر على الثَّانِي فقد عدت فِيمَن أهْدر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دمهم يَوْم الْفَتْح وَكَانَت مغنية فأهدر دَمهَا لِأَنَّهَا كَانَت تغني بهجائه وهجاء أَصْحَابه وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا من مزينة وَأَنَّهَا من أهل العرج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالجيم وَهِي قَرْيَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنَّهَا كَانَت مولاة أبي صَيْفِي بن عَمْرو بن هَاشم بن عبد منَاف وَقيل عمرَان بدل عَمْرو وَقيل مولاة بني أَسد ابْن عبد الْعُزَّى وَقيل كَانَت من موَالِي الْعَبَّاس وَفِي تَفْسِير مقَاتل بن حبَان أَن حَاطِبًا أَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكَسَاهَا برداء وَقَالَ الواحدي أَنَّهَا قدمت الْمَدِينَة فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جِئْت مسلمة قَالَت لَا وَلَكِن احتجت قَالَ فَأَيْنَ أَنْت عَن شباب قُرَيْش وَكَانَت مغنية قَالَت مَا طلبت من بعد وقْعَة بدر شَيْئا من ذَلِك فكساها وَحملهَا فَأَتَاهَا حَاطِب فَكتب مَعهَا كتابا إِلَى أهل مَكَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيد أَن يَغْزُو فَخُذُوا حذركُمْ قَوْله فأهوت أَي مَالَتْ قَوْله " إِلَى حجزَتهَا " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي وَهِي معقد الْإِزَار قَوْله وَهِي محتجزة بكساء من احتجز بِإِزَارِهِ شده على وَسطه وَقد مر فِي بَاب الجاسوس أَنَّهَا أخرجته من عقاصها أَي من شعورها قَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّهَا أخرجته من الحجزة أَولا وأخفته فِي الشّعْر ثمَّ اضطرت إِلَى الْإِخْرَاج مِنْهُ أَو بِالْعَكْسِ قَوْله " فاتوا بهَا " أَي بالصحيفة قَوْله " رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ويروى " فاتوا بهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَوْله " فَإِذا فِيهِ " أَي فِي الْكتاب من حَاطِب إِلَى نَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة سماهم الْوَاقِدِيّ فِي رِوَايَته سُهَيْل بن عَمْرو العامري وَعِكْرِمَة بن أبي جهل المَخْزُومِي وَصَفوَان بن أُميَّة الجُمَحِي قَوْله " مَا لي أَن لَا أكون مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " مَا بِي أَن لَا أكون " بِالْبَاء الْمُوَحدَة بدل اللَّام وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب " أما وَالله مَا ارتبت مُنْذُ أسلمت فِي الله " وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ " وَالله إِنِّي لناصح لله وَرَسُوله " قَوْله " يَد " أَي منَّة أدفَع بهَا عَن أَهلِي وَمَالِي وَفِي رِوَايَة أعشى ثَقِيف " وَالله وَرَسُوله أحب إِلَيّ من أَهلِي وَمَالِي " وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب " وَلَكِنِّي كنت امْرأ غَرِيبا فِيكُم وَكَانَ لي بنُون وأخوة بِمَكَّة فَكتبت لعَلي أدفَع عَنْهُم " قَوْله " هُنَالك " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي هُنَاكَ قَوْله " قَالَ صدق " أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صدق حَاطِب " فَيحْتَمل أَن يكون قد عرف صدقه من كَلَامه وَيحْتَمل أَن يكون بِالْوَحْي قَوْله " فَعَاد عمر " أَي إِلَى كَلَامه الأول فِي حَاطِب وَفِيه إِشْكَال حَيْثُ عَاد إِلَى كَلَامه الأول بعد أَن صدق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَاطِبًا وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ ظن أَن صدقه فِي عذره لَا يدْفع عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ من الْقَتْل قَوْله " فلأضرب عُنُقه " قَالَ الْكرْمَانِي فلأضرب بِالنّصب وَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر مَحْذُوف وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي اتركني فتركك للضرب وبالجزم
الصفحة 94
288