كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 24)

وَالْفَاء زَائِدَة على مَذْهَب الْأَخْفَش وَاللَّام لِلْأَمْرِ وَيجوز فتحهَا على لُغَة سليم وتسكينها مَعَ الْفَاء عِنْد قُرَيْش وَأمر الْمُتَكَلّم نَفسه بِاللَّامِ فصيح قَلِيل الِاسْتِعْمَال وبالرفع أَي فوَاللَّه لأضرب قَوْله أَو لَيْسَ من أهل بدر وَفِي رِوَايَة الْحَارِث أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَهُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير وَجزم فِي رِوَايَة عبيد الله بن أبي رَافع أَنه شهد بَدْرًا وَزَاد الْحَارِث فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بلَى وَلكنه نكث وَظَاهر أعداءك عَلَيْك قَوْله لَعَلَّ الله اطلع عَلَيْهِم أَي على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد أوجبت لكم الْجنَّة قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ الغفران لَهُم فِي الْآخِرَة وَإِلَّا فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد أَو غَيره أقيم عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنقل القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على إِقَامَة الْحَد قَالَ وَضرب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مسطحًا الْحَد وَكَانَ بَدْرِيًّا وَفِي التَّوْضِيح وَقد اعْترض بعض أهل الْبدع بِهَذَا الحَدِيث على قَضِيَّة مسطح حِين جلد فِي قذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالُوا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يحد كحاطب وَالْجَوَاب أَن المُرَاد غفر لَهُم عِقَاب الْآخِرَة دون الدُّنْيَا وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن كل من ارْتكب من أهل بدر ذَنبا بَينه وَبَين الله فِيهِ حد وَبَينه وَبَين الْخلق من القف أَو الْجراح أَو الْقَتْل فَإِن عَلَيْهِ فِيهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَيْسَ يدل عَفْو العَاصِي فِي الدُّنْيَا وَإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِ على أَنه يُعَاقب فِي الْآخِرَة لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَاعِز والغامدية لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت على أهل الأَرْض لوسعتهم قَوْله فاغرورقت عَيناهُ أَي عينا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ من الاغريراق
(قَالَ أَبُو عبد الله خَاخ أصح وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة حَاج وحاج تَصْحِيف وَهُوَ مَوضِع. وهشيم يَقُول خَاخ) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه خَاخ أصح يَعْنِي بخاءين معجمتين قَوْله وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة وَهُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي أحد رُوَاة حَدِيث الْبَاب قَوْله وحاج تَصْحِيف يَعْنِي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم مصحف وَقد مر بَيَانه عَن قريب قَوْله وَهُوَ مَوضِع يَعْنِي حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم اسْم مَوضِع وَقد ذَكرْنَاهُ قَوْله وهشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير الوَاسِطِيّ يَقُول خَاخ يَعْنِي بالمعجمتين يَعْنِي فِي قَول الْأَكْثَرين وَقيل بل هُوَ أَيْضا يَقُول مثل قَول أبي عوَانَة وَبِه جزم السُّهيْلي وَيُؤَيِّدهُ أَن البُخَارِيّ لما أخرجه من طَرِيقه فِي الْجِهَاد عبر بقوله رَوْضَة كَذَا فَلَو كَانَ بالمعجمتين لما كنى عَنهُ -
89 - (كِتابُ الإكْراهِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان حكم الْإِكْرَاه، وَالْإِكْرَاه بِكَسْر الْهمزَة هُوَ إِلْزَام الْغَيْر بِمَا لَا يُريدهُ، وَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمُكْره وَالْمكْره عَلَيْهِ وَالْمكْره بِهِ.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَقَول الله عز وَجل بِالْجَرِّ عطف على لفظ الْإِكْرَاه، وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النَّحْل وأولها الْآيَة. وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْعَامِل فِي قَوْله: {وَمن كفر} وَفِي قَوْله: {من شرح بالْكفْر صَدرا} فَقَالَت نجاة الْكُوفَة: جوابهما وَاحِد فِي قَوْله: {فَعَلَيْهِم غضب} لِأَنَّهُمَا جزءان اجْتمعَا أَحدهمَا مُنْعَقد بِالْآخرِ فجوابهما وَاحِد كَقَوْل الْقَائِل من يأتنا من يحسن نكرمه، يَعْنِي من يحسن مِمَّن يأتينا نكرمه. وَقَالَت نحاة الْبَصْرَة، قَوْله: {من كفر} مَرْفُوع بِالرَّدِّ على الَّذين فِي قَوْله: {إِنَّمَا يفتري الْكَذِب} الْآيَة وَمعنى الْكَلَام: إِنَّمَا يفتري الْكَذِب من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه، ثمَّ اسْتثْنى {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر لِأَن الْكفَّار أَخَذُوهُ وَقَالُوا لَهُ: اكفر بِمُحَمد

الصفحة 95