كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)

ووهم القرطبي حيث عزاه إلى مسلم (¬1).
قال الشافعي: ومعناه: تحسين الصوت بالقرآن. وكذا قال غيره، ويؤيده قول ابن أبي مليكة في "سنن أبي داود": إذا لم يكن حسن الصوت يحسنه ما استطاع (¬2). وقال غيره: يستغنى به. وكذا وقع في رواية أحمد عن وكيع (¬3)، فقيل يستغنى به عن أخبار الأمم الماضية والكتب المتقدمة، وقيل: معناه: التشاغل به.
والتغني قال ابن الأعرابي: كانت العرب تتغنى إذا ركبت الإبل، وإذا جلست في أفنيتها وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب - عليه السلام - أن يكون هِجِيِّرَاهُمْ مكان التغني، حكاه الخطابي (¬4) وابن الجوزي.
وقيل: المراد: ضد الفقر. وقال ابن حبان في "صحيحه": معنى "ليس منا": ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل؛ لأنا لا نفعله، فمن فعله فليس منا (¬5). وقال الإمام: أوضح الوجوه في تأويله: من لم يغنه القرآن ولم ينفعه في إيمانه ولم يصدق بما فيه من وعد ووعيد، فليس منا. وقال غيره: من لم يرتح لقراءته وسماعه. فهذا حاصل اختلاف العلماء في معنى التغني به.
وما أسلفناه عن سفيان -وهو ابن عينية- من أنه فسره بضد الافتقار. وذكره عن سعد بن أبي وقاص رفعه، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم (¬6). وكذا فسره وكيع كما سلف.
¬__________
(¬1) "تفسير القرطبي" 1/ 9، وانظر: "المفهم" 2/ 422 - 423.
(¬2) أبو داود (1471).
(¬3) "مسند أحمد" 1/ 172.
(¬4) "أعلام الحديث" 3/ 1945.
(¬5) "صحيح ابن حبان" 1/ 326 (120).
(¬6) "مسند أحمد" 1/ 175، "سنن أبي داود" (1469)، "سنن ابن ماجه" (1337)، "صحيح ابن حبان" 1/ 326 (120)، "المستدرك" 1/ 758.

الصفحة 106