كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)

يعني: في سماع واستماع، فمعنى قوله: "ما أذن الله لشيء" إنما هو: ما استمع الله لشيء من كلام الناس ما استمع إلى نبي يتغنى بالقرآن، ولأن الاستغناء بالقراَن عن الناس غير جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له.
قال ابن بطال: وقد رفع الإشكال في هذِه المسألة ما رواه ابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب، ثنا موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من المخاض في العقل" (¬1). وذكر أهل التأويل في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] أن هذِه الآية نزلت في قوم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب فيه خبر من أخبار الأمم.
فالمراد بالآية الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم على ما ذكره إسحاق بن راهويه، عن ابن عيينة. وليس [المراد] (¬2) بها الاستغناء الذي هو ضد الفقر. وإتباع البخاري الترجمة بهذِه الآية يدل أن هذا كان مذهبه في الحديث (¬3).
وكذا قال ابن المنير: يفهم من الترجمة أن التغني الاستغناء لا الغناء لكونه أتبعه بالآية، ومضمونها الإنكار على من لم يستغن بالقرآن عن غيره من الكتب السالفة، ومن المعجزات التي كانوا يقترحونها، فهو
¬__________
(¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 126 (29982).
قلت: الشطر الأخير من الحديث يأتي قريبَا برقم (5033)، ورواه مسلم (791) من حديث أبي موسى.
(¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(¬3) انتهى من "شرح ابن بطال" 10/ 259 - 263.

الصفحة 112