كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)
وقولها: (لَهُ إِبِلٌ قَلِيلَاتُ المَسَارحِ (كَثِيرَاتُ) (¬1) المَبَارِكِ). يعني: لا يوجههن ليسرحن نهارًا إلا قليلًا، ولكنهن يتركن بفنائه باركات، فإن نزل به ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه ولكنها بحضرته فيقريه من ألبانها ولحومها (¬2). ويروى: عظيمات المبارك، وهو كناية عن سمنها وعظم جِرْمها. وعند ابن قتيبة: إذا تركت إبله كانت كثيرة؛ لكثرة من ينضم إليها ممن يلتمس لحمها ولبنها، وإذا سرحت كانت قليلة، لقلة من ينضم إليها من الأضياف والعفاة (¬3)، وقيل: إنها إذا بركت كانت كثيرة؛ لوفور عددها، وإذا سرحت كانت قليلة؛ لكثرة ما نحو منها للأضياف. وفي رواية الهيثم عن هشام في آخر ذلك: وهو أمام القوم في المهالك.
وقولها: (إِذَا سمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ) تريد: العود الذي يضرب به، معناه: أنه مما كثرت عادته للضيفان وإطعامهم وشربهم، وضرب المعازف عليهم، ونحر الإبل؛ فلذلك صارت الإبل إذا سمعت ذلك أيقنَّ أنهن منحورات.
وقال أبو سعيد النيسابوري: إن كن لا يسرحن إلا قليلًا من النهار، ثم تحبس في المبارك سائر النهار فهي هالكة هزالًا، وإن كن يسرحن بالليل فقد (ضاع) (¬4) أضياف الليل. والتفسير: أن مسارحها قليلة؛ لقلة الإبل، وكثرة مباركها بالفناء؛ لكثرة ما تثار فتحلب ثم تترك،
¬__________
(¬1) من (غ)، وفي (س): قليلات.
(¬2) انظر: "غريب الحديث" 1/ 371.
(¬3) العفاة: السائلون.
(¬4) في الأصول: ضاف، وهو خطأ، والمثبت من "شرح ابن بطال" 7/ 302، "بغية الرائد" ص 108.
الصفحة 587
630