كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)

ما يروح من الإبل والبقر والعبيد، والزوج هنا الاثنين، ويقال للواحد زوج، ويحتمل أنها أرادات صنفًا، والزوج يقع على الصنف، ومنه قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)} [الواقعة: 7] وصفته بالسؤدد في ذاته، والسعة في ذات يده، وأنه صاحب حرب وركوب، وأنه محسن إليها مفضل على أهلها، ثم إنه مع هذا كله لم يقع عندها موقع أبي زرع، وأن كثيره دون قليله، فكيف بكثيره، وأن حال هذا معيب إذا أضافته إلى حال أبي زرع، مع إساءة أبي زرع أخيرًا في تطليقها والاستبدال بها، ولكن حبها له بغض إليها الناس بعده؛ ولهذا كره أولو الرأي تزويج امرأة لها زوج طلقها؛ لميل نفسها إليه (¬1).
وقوله: (وَمِيرِي أَهْلَكِ). أي: صليهم بالميرة، وهي الطعام، وأصله من امتيار البوادي من الحواضر.
فصل:
قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: ("كنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعِ لأُمِّ زَرْعٍ") قاله؛ تطييبًا لنفسها ومبالغة في حسن معاشرتها، ثم استثَنى من ذلك الأمر المكروه منه أنه طلقها "وإني لا أطلقك"؛ تتميمًا لتطييب نفسها، وإكمالًا لطمأنينة قلبها، ورفعًا للإيهام؛ لعموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع، إذ لم يكن فيها مذمة سوى طلاقه لها.
وقد جاء في رواية أبي معاوية الضرير ما يدل أن الطلاق لم يكن من قبل أبي زرع واختياره، فإنه قال: لم تزل به أم زرع حتى طلقها.
وجاء أن عائشة قالت: بأبي أنت وأمي، بل أنت خير لي من أبي زرع. وهو جواب مثلها في فضلها وعلمها، فإنه - عليه السلام - لما أخبرها أنه
¬__________
(¬1) انظر: "بغية الرائد" ص 163 - 164.

الصفحة 603