كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)
وحدثنا أبو داود، وساقه إلى عبد الله بن السائب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جادًّا ولا لاعبًا" (¬1)، فليس هذا من المزاح المحمود المباح، فإنما يهيج (الضغائن) (¬2)، ويعد من السباب والكذب، أو يتسلط به على ضرر رجل أو ماله، فليس من المزاح المحمود، ولا هو من جنس ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ليس مما ورد عنه من ذلك شيء زائد على خفض الجناح وبسط الوجه وطلب التودد. ومن ذهب إلى أنه يسقط الهيبة كما قال أكثم بن صيفي،
فلعله في الإكثار منه والتخلق به.
وأما قول من قال: إنما سمي (المزاح) (¬3) مزاحًا؛ لأنه زاح عن الحق فلا يصح لفظًا ولا معنى، أما المعنى، فلما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنه كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا، وأما اللفظ؛ فلأن الميم في المزاح أصلية ثابتة في الاسم والفعل، ولو كان كما قال كانت تكون زائدة ساقطة من الفعل.
فصل:
وفي الحديث أيضًا أن كنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ لأنه - عليه السلام - قال: "كنت لك كأبي زرع" ومن جملة أفعاله أنه طلق امرأته أم زرع، ولم يقع عليه - عليه السلام - طلاق بتشبيهه؛ لكونه لم ينو الطلاق، وقد سلف في رواية: "غير أني لم أطلقك" (¬4).
¬__________
(¬1) أبو داود (5003).
(¬2) في الأصول: الطغائن، هو خطأ، والمثبت هو الصواب.
(¬3) من (غ).
(¬4) انظر هذِه الفوائد في: "بغية الرائد" ص 171 - 185.
الصفحة 608
630