كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 24)

حرم الله أذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا؛ فكذلك ضربهن بغير ما اكتسبن حرام.
قال: والصواب أنه غير جائز لأحد ضرب أحد ولا أذاه إلا بالحق؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58]. سواء كان المضروب امرأة أو مملوكًا أو صغيرًا؛ لأن الله تعالى قد أباح لهؤلاء ضرب من ذكر بالمعروف على ما فيه صلاحهم.
وأما حديث: "لا ترفع عصاك عن أهلك" (¬1) فمحمول على الترهيب في ذات الله؛ لئلا يركبوا ما لا ينبغي، فتبقى سبة، إذ كان - عليه السلام - قيمًا على أهله وراعيًا عليهم، كما جعل الأمير راعيًا على رعيته، وعلى الراعي رعاية رعيته بما يصلحهم دِينًا ودُنيا، يوضحه قوله لفاطمة بنت قيس: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" (¬2). أعلمها شدته على أهله، فلو كان ما ذكروه لم يكن لتزهيده فيه بما ذكر معنى، إذ الوعظ لا يوجب لصاحبه ذمًّا وقدحًا (¬3). وقد جاء: "أما أبو جهم فضراب للنساء" (¬4).
فصل:
وفيه: أن لذي السلطان وغيره اتخاذ الحجبة؛ ليحول بينه وبين من أراده، ومن الوصول إليه إلا بإذنه لهم؛ لقول عمر - رضي الله عنه - (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشربة له، وعلى بابها غلام أسود).
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) رواه مسلم (1480) كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(¬3) هنا انتهى كلام الطبري رحمه الله. انظر "تهذيب الآثار" مسند عمر 1/ 407 - 425 بتصرف.
(¬4) رواه مسلم (1480/ 47).

الصفحة 617