كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 24)

يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"
ــ
خماسياته حالة كونه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله) سبحانه وتعالى: (لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من) صدور (الناس) أي لا يمحو العلم محوًا يمحوه من صدور العلماء (ولكن يقبض العلم) قبضًا حاصلًا (بقبض) أرواح (العلماء حتَّى إذا لم يترك عالمًا) في الأرض (اتخذَّ الناس) أي جعل الناس لأنفسهم (رؤوسًا جُهَّالًا) فيقتدون بهم (فسُئلوا) أي سئل أولئك الجهال عن حكم شرعي (فافتوا) أي أجابوا للسائل (بغير علم) لذلك الحكم المسؤول عنه (فضلوا) أولئك الجهال في أنفسهم (وأضلّوا) الناس الذين قلدوهم وعملوا بفتياهم فيكون أولئك الجهال الرؤساء ضالين في أنفسهم مضلين لغيرهم قال في المبارق وفي ذاك إذا الدالة على التحقيق في قوله حتَّى إذا إلخ دون إن الدالة على الثك إشارة إلى أنَّه كائن لا محالة بالتدريج اهـ.
وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة قال لما كان في حجة الوداع قال النبي صلَّى الله عليه وسلم خذوا العلم قبل أن يقبض أو يُرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات قال ابن المنير محو العلم من الصدور إلَّا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه اهـ فتح الباري [١/ ١٩٥].
قال النووي وهذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه عن صدور حفاظه ولكن معناه أنَّه يموت حملته ويتخذ الناس جهّالًا يحكمون بجهالتهم فيضلون ويُضلون اهـ قال المناوي وفيه تحذير من ترئيس الجهلة وحث على تعلم العلم وذمّ من يبادر إلى الجواب بغير تحقق وغير ذلك وهذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي الحديث بحمل ذاك على أصول الدين وهذا على فروعه اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ١٦٢] والبخاري في العلم باب كيف يقبض العلم [١٠٠] وفي الاعتصام باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلّف القياس [٧٣٠٧] والترمذي في العلم باب ما جاء في ذهاب العلم [٢٦٥٤] وابن ماجة في المقدَّمة باب اجتناب الرأي والقياس (٤٠).

الصفحة 602