كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 24)

حَتَّى رُؤِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ.
قَال: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِن وَرِقٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ. ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ في وَجْهِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ في الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا. وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيهِ مِثلُ وزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ"
ــ
عليه وسلم عن إبطائهم وتأخُّرهم عن الإتيان بالصدقة (حتَّى رؤُي ذلك) أي أثر غضبه (في وجهه) من احمرار الوجه بعد بياضه (قال) جرير بن عبد الله (ثم إنَّ رجلًا من الأنصار) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (جاء بصرة) أي بكيس (من ورق) أي فضة (ثم جاء) رجل (آخر) بصدقته (ثم تتابعوا) وتوالوا في الإتيان بصدقاتهم فسرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (حتَّى عرف السرور في وجهه) أي ظهر أثره من الاستنارة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنَّ) وعمل (في الإسلام سنة حسنة) أي خصلة مرضية وفعلة حسنة في الشرع قوله "من سن في الإسلام" إلخ السنة مأخوذة من السنن بفتحتين وهو الطريق يعني من أتى بطريقة مرضية يقتدى به فيها اهـ مبارق وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرّف منها والأصل فيها الطريقة والسيرة وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلَّى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولًا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلّة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث اهـ (فعُمل بها) بالبناء للمجهول أي عمل الناس بتلك الحسنة اقتداء به (بعده) أي بعد فعله بتلك الحسنة أو المعنى أي بعد ممات من سنّها قيّد به دفعًا لما يتوهم أن ذلك الأجر يكتب ما دام حيًّا اهـ دهني (كتب له) أي لذلك البادئ بها أول الناس (مثل أجر من عمل بها) إلى يوم القيامة كما في بعض الروايات (ولا ينقص من أُجُورهم) أي من أجور العاملين بعده (شيء) قليل ولا كثير (ومن سنَّ) أي أسس (في الإسلام سنة) أي خصلة (سيئة) أي غير مرضية لمخالفتها الشرع كالقتل ظلمًا والغضب والنهب (فعُمل) بالبناء للمجهول تفسير لسن وكذلك سابقه (بعده) أي بعد هذا البادئ (كتب عليه) أي على ذلك البادئ العامل لها أولًا (مثل وزر) أي مثل ذنب (من عمل بها) إلى يوم القيامة لأنه تسبب في عملهم بها بتأسيسها والابتداء بها (ولا ينقص من أوزارهم) أي من أوزار العاملين بها (شيء) أي شيء من النقص أو العقاب ولا يعارض هذا الحديث بقوله

الصفحة 609