كتاب توجيه النظر إلى أصول الأثر

وَترى وَيجوز فِيهَا التَّنْوِين وَتَركه قَالَ تَعَالَى {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} أَي وَاحِدًا بعد وَاحِد بفترة بَينهمَا وتواتر الْخَبَر مَجِيء المخبرين بِهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد من غير اتِّصَال
وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

الْمَسْأَلَة الأولى

قد عرفت مِمَّا سبق أَن الْخَبَر لَا يُسمى متواترا إِلَّا إِذا وجد فِيهِ أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن يكون ذَلِك الْخَبَر مِمَّا يدْرك بالحس وَيكون مُسْتَند المخبرين هُوَ الإحساس بِهِ على وَجه الْيَقِين وَذَلِكَ مثل أَن يَقُولُوا رَأينَا زيد يفعل كَذَا وَسَمعنَا عمرا يَقُول كَذَا فَإِن كَانَ الْخَبَر مِمَّا لَا يدْرك بالحس لَا يُسمى متواترا وَلَا يُفِيد الْعلم وَإِن كَانَ المخبرون بِهِ لَا يُحصونَ كَثْرَة فَلَو اسْتدلَّ مستدل على حُدُوث الْعَالم بِأَن أُنَاسًا لَا يحصرون يَقُولُونَ بحدوثه وقابله الْقَائِل بقدمه بِمثل دَلِيله وَقَالَ إِن أُنَاسًا لَا يحصرون يَقُولُونَ بقدمه فَمثل هَذِه الْمَسْأَلَة يجب أَن يرجع فِيهَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِأَمْر آخر
الثَّانِي أَن يكون عدد المخبرين بِهِ بلغ فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ فَإِن لم يبلغ المخبرون بِهِ هَذَا الْمبلغ لم يسم ذَلِك الْخَبَر متواترا وَإِن أَفَادَ الْعلم بِسَبَب أَمر آخر يدل على صدقه وَمن ثمَّ قَالَ بَعضهم الْمُتَوَاتر هُوَ خبر جمَاعَة يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم بصدقه فاحترز بقوله بِنَفسِهِ عَن الْخَبَر الَّذِي علم صدقه بِأَمْر آخر كقرينة دلّت على صدق من أخبر بِهِ
تَتِمَّة قد يكون الناقلون للْخَبَر طبقَة وَاحِدَة وَهِي الْجَمَاعَة الَّتِي استندت فِي الْإِخْبَار إِلَى الإحساس بالمخبر بِهِ وَهِي المثبتة لأصل الْخَبَر فَإِذا تلقينا الْخَبَر عَنْهَا فَالْأَمْر ظَاهر وَقد يكون الناقلون للْخَبَر طبقتين وَذَلِكَ فِيمَا إِذا تلقينا الْخَبَر عَن جمَاعَة تلقت الْخَبَر عَن الْجَمَاعَة الَّتِي استندت فِي الْإِخْبَار إِلَى الإحساس بالمخبر بِهِ وَيشْتَرط فِي

الصفحة 1092