كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

قال أبو العباس محمد بن يزيد: قد أكثرنا في المراثي والمواعظ من بين شعر وكلام نثر ورسالة وغير ذلك مما يتصل به.
والمراثي وأسبابها باقية مع الناس أبداً، إذ كانت الفجائع لا تنقضي إلا بانقضاء المصائب، ولا يفنى ذلك إلا بفناء الأرض ومن عليها، ولا إله إلا الله الحي الذي لا يموت. ونحن خاتو ذلك بباب نجمع فيه من كل شيء إن شاء الله، وبه الحول والقوة. ثم نبتديء شيئاً غيره. فإن الإكثار سرف، كما أن التقصير كالعجز. وفيما أملينا بلاغ وعظة إن شاء الله تعالى.
قال عبد العزيز بن عبد الرحيم بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب يرثي أباه. وكان أبوه جليلاً من بني هاشم له أدب وعارضة وبلاغة ونجدة وبيان، فولاة أمير المؤمنين المعتصم بالله اليمن، ثم ولى بعد أن طال مكثه بها إيتاخ ذلك البلد، فولى إيتاخ عليها الشار، فحمل إليه الشار عبد الرحيم، فطالبه إيتاخ بالخراج وحبسه لامتناعه عليه، فمات في السجن بعد مدة.
وكان عبد العزيز أجل بنيه، وقد ولي الولايات، وكان شاعراً مفلقاً وخطيباً مصقعاً، فقال يرثي أباه قولاً أعرب فيه فأفصح، وأغرب فيه فلم يفحش، ولكنه خرج أحسن الخروج من كلام مبسوط ومعان مفهومة وهو قوله: الطويل
أشد أيّها النّاعي وإن كنت لا تدري ... بكنه الذي تنعى من الدّين والقدر
ومن ركن أركان الملوك الذي به ... تلوذ إذا حلّ الجسيم من الأمر
هوى فهوت أركان عزٍّ وأعوزت ... ثغورٌ به كانت أوامن للذّعر
ومن يلبس الأقطار أمناً بذكره ... ويكشف عنها طخية الذّلّ والفقر
ومن كان إن أرضٌ من المحل أظلمت ... رماها بأنفى للظّلام من الفجر

الصفحة 265