كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

إلى غير راعٍ يرتجى النّصر عنده ... ولا عطنٍ يؤوى إليه رحيب
عباديد من ناجٍ على جذم بغلةٍ ... ومن رازحٍ يشكو الكلال جنيب
ومن راسبٍ طافٍ على الماء شلوه ... وذي ظمإ أودى به وسغوب
فيا أرضهم أخلوك فابكي عليهم ... وجودي عليهم يا سماء وصوبي
أرى كلّ قومٍ لا يزال مظنّةً ... منازلهم من آيبٍ ومؤوب
سوانا فإنّا حشو كلّ مدينةٍ ... وألقاؤها من نازحٍ وقريب
ذوو أوجهٍ فيها كوابٍ وأعينٍ ... بواكٍ وفقرٍ ظاهرٍ وشحوب
فمن رام أن يبتاع منّا حديقةً ... من النّخل أعطى درهماً بجريب
فذو العزّ منّا مستكينٌ وذو الغنى ... كأن لم يكن ذا رتبةٍ وركوب
فما حلّ بالإسلام مثل مصابنا ... وسلطاننا للدّين حقّ غصوب
وكنّا ولم تشقق عصانا ولم تبت ... عقاربنا فينا ذوات دبيب
نميميّةٌ تسري إلينا كأنّما ... تطالبنا في مصرنا بذنوب
يقصّر عن بغداد كلّ فضيلةٍ ... خصصنا بها إسهاب كلّ خطيب
رجالاً ومالاً يعرف النّاس فضله ... على كلّ حالٍ رائحٍ وغريب
فلا المربد المعمور بالعزّ والنّهى ... وكلّ فتىً للمكرمات كسوب
ولا قصر أوسٍ والمناخ الّذي به ... وما حوله من روضةٍ وكثيب
بمرتجعٍ يوماً ولا المسجد الّذي ... إليه تناهى علم كلّ أديب
ولا قائمٌ لله اناء ليله ... به كلّ أوّاهٍ إليه منيب
ولا عائدٍ ذاك الحزين كعهده ... لكلّ مسنٍّ حوله ومهيب
ولا الشطّ إذ فيه لنا الخير كلّه ... وإذ معتفاه الدّهر غير جديب
وبالفيض والنّهرين من كلّ جانبٍ ... مناظر لذّاتٍ عفت وشروب
وإذ ما نراه من سفينٍ وراكبٍ ... على ظهر منقادٍ إليه صبوب
ودجلة أحمى جانبيها كليهما ... كتائب زنجٍ كالطّنين دبوب
مؤلّلةٌ أسنانهم وعيونهم ... توقّد في كهرورةٍ وقطوب
قوله كهرورة إنما هي القطوب والعبوس كما قال زيد الخيل: الطويل

الصفحة 274