كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

فقال: مثل هذا فليبك. ثم قال: الكامل
يأخذّ إنّك إن توّسد ليّناً ... وسّدت بعد الموت صمّ الجندل
فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً ... فلتندمنّ غداً إذا لم تفعل
وقال عبد الله بن العباس: ما اتعظت بشيء بعدما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اتعظت بكتاب كتبه علي عليه السلام إلي، وكان كتابه: أما بعد. فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه. فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك. وليكن أسفك على ما فاتك من ذلك. وما نلت من الدنيا فلا تنعم به فرحاً، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً، وليكن همك لما بعد الموت.
وقال بعضهم: سمعت بكاء راهب فناديت: يا راهب، ما يبكيك؟ فقال: أبكاني أمر عرفته فجزت عن سبيله، وقصرت في طلبه، ويوم مضى أورثني عبرته وحسرته، نقص له أجلي، ولم ينقص له أملي.
وروي أن بعض ملوك الفرس كان شديد الغضب، فكتب ثلاث رقاع، ثم وكل رجلاً حازماً من أصحابه فقال: إذا اشتد غضبي فادفعوا إلي الأولى، فإذا سكنت بعض السكون فادفعوا إلي الثانية، ثم ادفعوا إلي الثالثة، فكان في الأولى: إنك لست بالإله، إنما أنت بشر يوشك أن يموت، ويأكل بعضك بعضاً. وفي الثانية: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. وفي الثالثة: خذ الناس بأمر الله، فإنه لا يصلحهم إلا ذلك.

الصفحة 288