كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

ولعينٍ مطروفةٍ أبداً قا ... ل لها الدّهر: لا تنامي وجودي
كلّما عزّك البكاء فأنفد ... ت لعبد المجيد سجلاً فعودي
لفتىً يحسن البكاء عليه ... وفتىً كان لامتداح القصيد
فكل هذه الأبيات غرة، ولقد بلغني بلاغاً إخاله صحيحاً أن عبد المجيد كان للمدح حياته موضعاً، وللمراثي بعد موته مستوجباً، عفافاً وجمالاً وأدباً وشباباً.
وقال القائل: البسيط
وإنّ أحسن بيتٍ أنت قائله ... بيتٌ يقال إذا أنشدته صدقا
وأحسن من ذلك وإن جل قدر المؤمن بكاء الرجل على نفسه وإن كان حياً، لما يتوقعه. كما قال إسماعيل بن القاسم: السريع
كم سترى في النّاس من هالكٍ ... وهالكٍ حتّى ترى هالكا
فهذا مأخوذ مما يروى أن الصديق رحمه الله كان يكثر إنشاده وهو: مجزوء الكامل
تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالكٍ حتّى تكونه
والمرء قد يرجو الرّجا ... ء مغيّباً والموت دونه
ومع قوله هذا: السريع
أصبحت الدّنيا لنا عبرةً ... والحمد لله على ذلكا
اجتمع النّاس على ذمّها ... وما ترى منهم لها تاركا
ومثله قوله: الطويل
ننافس في الدّنيا ونحن نعيبها ... وقد حذّرتناها لعمري خطوبها
وما نحسب السّاعات تقطع مدّةً ... على أنّها فينا سريعٌ دبيبها
كأنّي برهطي يحملون جنازتي ... إلى حفرةٍ يحثى عليّ كثيبها
وباكيةٍ حرّى تنوح وإنّني ... لفي غفلةٍ عن صوتها لا أجيبها
وإنّي لممّن يكره الموت والبلى ... ويعجبني روح الحياة وطيبها

الصفحة 292