كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

رثيت زيداً كما رثيت أخاك مالكاً، فقال: إنه والله يحركني لمالك ما لا يحركني لزيد. وقال له عمر يوماً: إنك لجزل فأين كان أخوك منك؟ فقال: كان، والله، أخي في الليلة ذات الأزيز والأصوات والصراد، يركب الجمل الثفال بين المزادتين المتلونتين، ويجنب الفرس الجرور، وعليه الثملة الفلوت، وفي يده الرمح الثقيل حتى يصبح متهللاً، ولقد أسرت مرة في بعض أحياء العرب فمكثت فيهم سنة أحدثهم وأغنيهم، فما أطلقوني. فلما كان بعد، وقف عليهم مالك في شهر من الأشهر الحرم، فحادثهم ساعة ثم استوهبني منهم وهم لا يعرفونه فوهبوني له، فعلمت أن ساعة من مالك أكثر من حول مني.
قال: وأما مرثية دريد بن الصمة فكان الأصمعي يقدمها جداً، وهي أهل ذاك. وكان سبب هذه المرثية أن أخاه عبد الله بن الصمة أحد بني جشم بن بكر بن هوازن، غزا قبائل غطفان بن سعد بن قيس بن مرة، وفزازة وأشجع بن بغيض. فاكتسح أموالهم وانصرف، فلم يجاوز بعيداً حتى أناخ وأمر بالإبل تنحر، فقال له أخوه دريد: يا أبا فرعان، إن غطفان غير نائمة عن أموالها فتقدم شيئاً ثم أنخ. فقال:

الصفحة 56