كتاب التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]

إنّ الذي جمّع السّماحة والنّ ... جدة والبأس والقوى جمعا
الألمعيّ الّذي يظنّ لك ... الظّنّ كأن قد رأى وقد سمعا
والمتلف المخلف المرزّأ لم ... يمتع بضعفٍ ولم يمت طبعا
والحافظ النّاس في تحوط إذا ... لم يرسلوا خلف عائذٍ ربعا
وعزّت الشّمأل الرّياح وقد ... أمسى كميع الفتاة ملتفعا
وشبّه الهيدب العبام من ال ... أقوام سقباً ملبّساً فرعا
وكانت الكاعب الممنّعة الح ... سناء في زاد أهلها سبعا
ليبكك الشّرب والمدامة وال ... فتيان طرّاً وطامعٌ طمعا
وذات هدمٍ عارٍ نواشرها ... تصمت بالماء تولباً جدعا
تأويل ما في هذه القصيدة مما ليس بواضح إلا بعد نظر: قوله: أيتها النفس اجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا. تقول العرب: الحذر أشد من الوقيعة. وإنما حق الشيء المتخوف أن يكون صاحبه مرتاعاً حذر وقوعه، فإذا وقع البأس ارتفع ذلك الحذر.
ومن ذلك ما يتدارسه الصالحون: إذا استأثر الله عز وجل بشيء فاله عنه.
ويحكى عن بعض الأعاجم من ملوكهم أنه مات له ابن فلم يجزع عليه، وأقبل على شأنه، فسئل عن ذلك فقال: إنما الروعة قبل وقوع المخوف، فإذا وقع فعلى اللبيب ألا ينسب إلى الوقوف متفكراً في إثر ما لا يدرك، ولكن ليزجر النفس عن خطائها، ويعمل الشغل فيما يجدي عليه.
وقوله: الألمعي الذي يظن لك الظن كأنه قد رأى وقد سمعا الألمعي: الحديد القلب الذي يوقع الشيء موقعه. وهذا مثل لا نعلمه لأحد

الصفحة 64